وقوله ﴿ ولا فيها غول ﴾، لم تعمل ﴿ لا ﴾ لأن الظرف حال بينها وبين ما شأن التبرية أن تعمل فيه و" الغول " اسم عام في الأذى، يقال غاله كذا إذا أضره في خفاء، ومنه الغيلة في القتل وقال النبي ﷺ في الرضاع " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة " ومن اللفظة قول الشاعر :[ الطويل ]
مضى أولونا ناعمين بعيشهم... جميعاً وغالتني بمكة غول
أي عاقتني عوائق، فهذا معنى من معاني الغول، ومنه قول العرب، في مثل من الأمثال، " ماله غيل " ما أغاله يضرب للرجل الحديد الذي لا يقوم لأمر إلا أغنى فيه، أو الرجل يدعى له بأن يؤذي ما آذاه، وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد في الآية " الغول " وجع في البطن، وقال ابن عباس أيضاً وقتادة : هو صداع في الرأس.
قال القاضي أبو محمد : والاسم أعم من هذا كله فنفى عن خمر الجنة جميع أنواع الأذى إذا هي موجودة في خمر الدنيا، نحا إلى هذا العموم سعيد بن جبير، ومنه قول الشاعر :[ المتقارب ]
وما زالت الخمر تغتالنا... وتذهب بالأول الأول
أي تؤذينا بذهاب العقل، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " ينزَفون " بفتح الزاي وكذلك في سورة الواقعة من قوله " نزف الرجل إذا سكر ونزفته الخمر "، والنزيف السكران ومنه قول الشاعر [ جميل بن معمر ] :[ الكامل ]
فلثمت فاها آخذاً بقرونها... شرب النزيف لبرد ماء الحشرج
وبذهاب العقل فسر ابن عباس وقتادة ﴿ ينزفون ﴾، وقرأ حمزة والكسائي " ينزِفون " بكسر الزاي وكذلك في الواقعة من أنزف ينزف ويقال أنزف بمعنيين أحدها سكر ومنه قال الأبيرد الرياحي. [ الطويل ]
لعمري لئن أنزفتمُ أو صحوتمُ... لبيس الندامى أنتمُ آل أبجرا


الصفحة التالية
Icon