الملأ الأعلى الملائكة لأنهم يسكنون السموات.
وأما الإنس والجن فهم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض.
واعلم أنه تعالى وصف أولئك الشياطين بصفات ثلاثة الأولى : أنهم لا يسمعون الثانية : أنهم يقذفون من كل جانب دحوراً وفيه أبحاث :
الأول : قد ذكرنا معنى الدحور في سورة الأعراف عند قوله :﴿اخرج مِنْهَا مَذْءومًا مَّدْحُورًا﴾ [ الأعراف : ١٨ ] قال المبرد الدحور أشد الصغار والذل وقال ابن قتيبة دحرته دحراً ودحوراً أي دفعته وطردته.
البحث الثاني : في انتصاب قوله :﴿دُحُوراً﴾ وجوه الأول : أنه انتصب بالمصدر على معنى يدحرون دحوراً، ودل على الفعل قوله تعالى :﴿وَيَقْذِفُونَ﴾ الثاني : التقدير ويقذفون للدحور ثم حذف اللام الثالث : قال مجاهد دحوراً مطرودين، فعلى هذا هو حال سميت بالمصدر كالركوع والسجود والحضور.
البحث الثالث : قرأ أبو عبد الرحمن السلمي دحوراً بفتح الدال قال الفراء كأنه قال يقذفون يدحرون بما يدحر، ثم قال ولست أشتهي الفتح، لأنه لو وجد ذلك على صحة لكان فيها الباء كما تقول يقذفون بالحجارة ولا تقول يقذفون الحجارة إلا أنه جائز في الجملة كما قال الشاعر :
تعال اللحم للأضياف نيئاً.. أي تعالى باللحم الصفة الثالثة : قوله تعالى :﴿وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ﴾ والمعنى أنهم مرجومون بالشهب وهذا العذاب مسلط عليهم على سبيل الدوام، وذكرنا تفسير الواصب في سورة النحل عند قوله تعالى :﴿وله الدين واصباً﴾ [ النحل : ٥٢ ] قالوا كلهم إنه الدائم، قال الواحدي ومن فسر الواصب بالشديد والموجع فهو معنى وليس بتفسير.