ولما كان من البلاغة أن يناسب بين القسم والمقسم عليه، وكان الاصطفاف دالاً على اتحاد القصد كما في صفوف القتال والصلاة، وكان الملائكة لا قصد لهم إلا الله من غير عائق عن ذلك فكانوا أحق الخلق بالاصطفاف، تارة للصلاة، وتارة للتسبيح والتقديس، وتارة لتدبير الأرزاق، وتارة لتعذيب أهل الشقاق - إلى غير ذلك من الأمور التي لا تسعها الصدور، وكانوا بعد زجرة الإحياء المصرح بهما في السورة الماضية ثم زجرتي الصعق والإفاقة الآتيتين في الزمر حين تشقق السماء بالغمام وتكون وردة كالدهان، وتنفطر بسطوة المليك الديان، ويتكرر ما فيها من أجرام ومعان، تنزل ملائكة كل سماء فتصير صفاً مستديراً، ملائكة الأولى حول أهل الأرض، وملائكة الثانية حول ملائكة الأولى وهكذا، ثم يصيرون إذا قيل ( يا معشر الجن والإنس إن
استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا )
[ الرحمن : ٣٣ ] فماج العباد بعضهم في بعض من شدة الزحام، وطول القيام، كلما مالوا على جهة من جهاتهم زجروهم زجراً ردوهم به عن النفوذ، مع أن انتظام المدبرات الناشئ عن اصطفافهم في التدبير في طاعة الملك القدير دال على الوحدانية،