ولما أثبت أمرها بما هو في غاية الفتنة لها واللطف للمؤمنين، سبب عن الفتنة بها قوله : راداً لإنكارهم أن يأكلوا مما لا يشتهونه ومكذباً لما كانوا يدعون من المدافعة :﴿فإنهم﴾ أي بسبب كفرانهم بها وبغيرها مما أمرهم الله ﴿لآكلون منها﴾ أي من هذه الشجرة من شوكها وطلعها وما يريد الله بما يؤلم منها.
ولما كانوا قد زادوا في باب التهكم في أمرها، زاد التأكيد في مقابلة ذلك بقوله :﴿فمالئون منها﴾ ومن غيرها في ذلك الوقت الذي يريد الله أكلهم منها ﴿البطون﴾ قهراً على ذلك وإجباراً.
ولما أحرق أكبادهم من شديد الجوع زيادة في العذاب، ولما جرت العادة بأن الآكل المتنعم يتفكه بعد أكله بما يبرد غلة كبده، قال مشيراً إلى تناهي شناعة متفكههم، وطويل تلهبهم من عطشهم، بأداة التراخي وآلة التأكيد لما لهم في ذلك من عظيم الإنكار :﴿ثم إن لهم عليها﴾ أي على أكلهم منها ﴿لشوباً﴾ أي خلطاً عظيم الإحراق ﴿من حميم﴾ أي ماء حار كأنه مجمع من مياه من عصارات شتى من قيح وصديد ونحوهما - نسأل الله العافية.
ولما كان ما ذكر للفريقين إنما هو النزل الذي مدلوله ما يكون في أول القدوم على حين غفلة، وكانوا يريدون الحميم كما يورد الإبل الماء، وكان قوله تعالى ﴿يطوفون بينها وبين حميم آن﴾ [ الرحمن : ٤٤ ] يدل على أن ذلك خارجها أو خارج غمرتها، كما تكون الأحواض في الحيشان خارج الأماكن المعدة للإبل، قال مبيناً أن لهم ما هو أشد شناعة من ذلك ملوحاً إليه بأداة التراخي :﴿ثم إن مرجعهم﴾ أي بعد خروجهم من دار ضيافتهم الزقومية ﴿لإلى الجحيم﴾ أي ذات الاضطرام الشديد، والزفير والبكاء والاغتمام الطويل المديد، كما أن حزب الله يتقلبون من جنات النعيم إلى جنات المأوى مثلاً إلى جنات عدن إلى الفردوس التي لا يبغون عنها حولاً كما ينقل أهل السعة والأكابر من أهل الدنيا ضيوفهم في البساتين المتواصلة والمناظر، وينزهونهم في القصور العالية والدساكر.