ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الشجرة وصفها بصفات الصفة الأولى : قوله إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم قيل منبتها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها الصفة الثانية : قوله :﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءوسُ الشياطين﴾ قال صاحب "الكشاف" : الطلع للنخلة فاستعير لما طلع من شجرة الزقوم من حملها، إما استعارة لفظية أو معنوية، وقال ابن قتيبة سمي ( طلعاً ) لطلوعه كل سنة، ولذلك قيل طلع النخل لأول ما يخرج من ثمره، وأما تشبيه هذا الطلع برؤوس الشياطين ففيه سؤال، لأنه قيل إنا ما رأينا رؤوس الشياطين فكيف يمكن تشبيه شيء بها ؟ وأجابوا عنه من وجوه : الأول : وهو الصحيح أن الناس لما اعتقدوا في الملائكة كمال الفضل في الصورة والسيرة واعتقدوا في الشياطين نهاية القبح والتشويه في الصورة والسيرة، فكما حسن التشبيه بالملك عند إرادة تقرير الكمال والفضيلة في قوله :﴿إِنْ هذا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [ يوسف : ٣١ ] فكذلك وجب أن يحسن التشبيه برؤوس الشياطين في القبح وتشويه الخلقة، والحاصل أن هذا من باب التشبيه لا بالمحسوس بل بالمتخيل، كأنه قيل إن أقبح الأشياء في الوهم والخيال هو رؤوس الشياطين فهذه الشجرة تشبهها في قبح النظر وتشويه الصورة، والذي يؤكد هذا أن العقلاء إذا رأوا شيئاً شديد الاضطراب منكر الصورة قبيح الخلقة، قالوا إنه شيطان، وإذا رأوا شيئاً حسن الصورة والسيرة، قالوا إنه ملك، وقال امرؤ القيس :
أتقتلني والمشرفي مضاجعي.. ومسنونة زرق كأنياب أغوال