واعلم أن الله وصف شرابهم في القرآن بأشياء منها كونه غساقاً، ومنها قوله :﴿وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ﴾ [ محمد : ١٥ ] ومنها ما ذكره في هذه الآية، فإن قيل ما الفائدة في كلمة ﴿ثُمَّ﴾ في قوله :﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ﴾ ؟ قلنا فيه وجهان الأول : أنهم يملأون بطونهم من شجرة الزقوم وهو حار يحرق بطونهم فيعظم عشطهم، ثم إنهم لا يسقون إلا بعد مدة مديدة والغرض تكميل التعذيب، والثاني : أنه تعالى ذكر الطعام بتلك البشاعة والكراهة، ثم وصف الشراب بما هو أبشع منه، فكان المقصود من كلمة ثم بيان أن حال المشروب في البشاعة أعظم من حال المأكول، ثم قال تعالى :﴿ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم﴾ قال مقاتل : أي بعد أكل الزقوم وشرب الحميم، وهذا يدل على أنهم عند شرب الحميم لم يكونوا في الجحيم، وذلك بأن يكون الحميم من موضع خارج عن الجحيم، فهم يوردون الحميم لأجل الشرب كما تورد الإبل إلى الماء، ثم يوردون إلى الجحيم، فهذا قول مقاتل، واحتج على صحته بقوله تعالى :﴿هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ﴾ [ الرحمن : ٤٣، ٤٤ ] وذلك يدل على صحة ما ذكرناه، ثم إنه تعالى لما وصف عذابهم في أكلهم وشربهم قال :﴿إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءابَاءهُمْ ضَالّينَ * فَهُمْ على ءاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ﴾ قال الفراء : الإهراع الإسراع يقال هرع وأهرع إذا استحث، والمعنى أنهم يتبعون آباءهم اتباعاً في سرعة كأنهم يزعجون إلى اتباع آبائهم، والمقصود من الآية أنه تعالى علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد كلها بتقليد الآباء في الدين وترك اتباع الدليل، ولو لم يوجد في القرآن آية غير هذه الآية في ذم التقليد لكفى.


الصفحة التالية