الحكمة في مشاورة الإبن في هذا الباب أن يطلع ابنه على هذه الواقعة ليظهر له صبره في طاعة الله فتكون فيه قرة عين لإبراهيم حيث يراه قد بلغ في الحلم إلى هذا الحد العظيم، وفي الصبر على أشد المكاره إلى هذه الدرجة العالية ويحصل للابن الثواب العظيم في الآخرة والثناء الحسن في الدنيا، ثم إنه تعالى حكى عن ولد إبراهيم عليه السلام أنه قال :﴿افعل مَا تُؤمَرُ﴾ ومعناه افعل ما تؤمر به، فحذف الجار كما حذف من قوله :
أمرتك الخبر فافعل ما أمرت [ به ].. ثم قال :﴿سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين﴾ وإنما علق ذلك بمشيئة الله تعالى على سبيل التبرك والتيمن، وأنه لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله.
ثم قال تعالى :﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا﴾ يقال سلم لأمر الله وأسلم واستسلم بمعنى واحد، وقد قرىء بهن جميعاً إذ انقاد له وخضع، وأصلها من قولك سلم هذا لفلان إذا خلص له، ومعناه سلم من أن ينازع فيه، وقولهم سلم لأمر الله وأسلم له منقولان عنه بالهمزة، وحقيقة معناها أخلص نفسه لله وجعلها سالمة له خالصة، وكذلك معنى استسلم استخلص نفسه لله وعن قتادة في أسلما أسلم هذا ابنه وهذا نفسه، ثم قال تعالى :﴿وتله للجبين﴾ أي صرعه على شقه فوقع أحد جبينيه على الأرض وللوجه جبينان، والجبهة بينهما، قال ابن الأعرابي التليل والمتلول المصروع والمتل الذي يتل به أي يصرع، فالمعنى أنه صرعه على جبينه، وقال مقاتل كبه على جبهته، وهذا خطأ لأن الجبين غير الجبهة.