ولما أثنى على إبراهيم عيله السلام بما عالج مما لم يحصل لغيره مثله، وكان من أعظم جزاء الإنسان البركة في ذريته قال :﴿وباركنا عليه﴾ أي على الغلام الحليم وهو الذبيح المحدث عنه الذي جر هذا الكلام كله الحديث عنه، وكان آخر ضمير محقق عاد عليه الهاء في " وفديناه " ثم في " وتركنا عليه في الآخرين " وهذا عندي أولى من إعادة الضمير على إبراهيم عليه السلام لأنه استوفى مدحه، ثم رأيت حمزة الكرماني صنع هكذا وقال : حتى كان محمد ـ ﷺ ـ والعرب من صلبه.
﴿وعلى إسحاق﴾ أي أخيه، قال حمزة الكرماني : حتى كان إسرائيل الله والأسباط من صلبه، وقال غيره : خرج من صلبه ألف نبي أولهم يعقوب وآخرهم عيسى عليه السلام.
﴿ومن ذريتهما﴾ أي الأخوين ولا شك أن هذا أقرب وأقعد من أن يكون الضمير للأب والابن لأن قران الأخوين في الإخبار عن ذريتهما أولى من قران الابن مع أبيه في ذلك، فيكون الابن حينئذ من جملة المخبر عنه بذرية الأب ﴿محسن وظالم لنفسه﴾ حيث وضعها بما سبب عن المعاصي في غير موضعها الذي يحبه، وهذا مما يهدم أمر الطبائع حيث كان البر يوجد من الفاجر والفاجر يوجد من البر.
ولما كان الإنسان، وإن اجتهد في الإحسان، لا بد أن يحتاج إلى الغفران، لما له من النقصان، لأن رتبة الإلهية لا تصل إلى القيام بحقها العوائق البشرية، بين أن الظلم المراد هنا إنما هو التجاوز في الحدود بغاية الشهوة فقال :﴿مبين﴾ وأما غير ذلك فمغفور كما قرر في نحو ﴿لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت﴾ " ومن هم بسيئة ولم يعملها كتبت له حسنة " ﴿وأن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم﴾ [ النساء : ٣١ ].
قصة ذبح إبراهيم لولده عليهما السلام من التوارة وبيان أنهم بدلوها، قال مترجمهم : فغرس إبراهيم ببئر سبع غرساً، وبنى هنالك باسم الرب إله العالمين، وسكن إبراهيم أرض فلسطين - يعني عند تلك البئر - أياماً كثيرة.


الصفحة التالية
Icon