فأخذوا لكل سهماً، على أن من طفا سهمه فهو، ومن غرق سهمه فليس إياه، فطفا سهم يونس.
فعلوا ذلك ثلاثاً، تقع القرعة عليه، فأجمعوا على أن يطرحوه.
فجاء إلى ركن منها ليقع منها، فإذا بدابة من دواب البحر ترقبه وترصد له.
فانتقل إلى الركن الآخر، فوجدها حتى استدار بالمركب وهي لا تفارقه، فعلم أن ذلك من عند الله، فترامى إليها فالتقمته.
ففي قصة يونس عليه السلام هنا جمل محذوفة مقدرة قبل ذكر فراره إلى الفلك، كما في قصته في سورة الأنبياء في قوله :﴿ إذ ذهب مغاضباً ﴾ هو ما بعد هذا، وقوله :﴿ فنادى في الظلمات ﴾ جمل محذوفة أيضاً.
وبمجموع القصص يتبين ما حذف في كل قصة منها.
﴿ فساهم فكان من المدحضين ﴾ : من المغلوبين، وحقيقته من المزلقين عن مقام الظفر في الاستهام.
وقرىء :﴿ وهو مليم ﴾، بفتح الميم، وقياسه ملوم، لأنه من لمته ألومه لوماً، فهو من ذوات الواو، ولكنه جيء به على أليم، كما قالوا : مشيب ومدعى في مشوب، ومدعو بناء على شيب ودعى.
﴿ من المسبحين ﴾ : من الذاكرين الله تعالى بالتسبيح والتقديس.
والظاهر أنه يريد ما ذكر في قوله في سورة الأنبياء :﴿ فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾ وقال ابن جبير : هو قوله سبحان الله.
وقالت فرقة : تسبيحه صلاة التطوع ؛ فقال ابن عباس، وقتادة، وأبو العالية : صلاته في وقت الرخاء تنفعه في وقت الشدة.
وقال الضحاك بن قيس على منبره : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، إن يونس كان عبداً ذاكراً، فلما أصابته الشدة نفعه ذلك.
قال الله عز وجل :﴿ فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾.
وقال الحسن : تسبيحه : صلاته في بطن الحوت.
وروي أنه كان يرفع لحم الحوت بيديه يقول : لأبنين لك مسجداً حيث لم ينبه أحد قبلي.


الصفحة التالية
Icon