ولما كان من المعلوم أن هذا الاستفتاء من النبي ـ ﷺ ـ وقع امتثالاً للأمر المصدر به، وبطل بهذه الجملة قدرتهم وقدرة معبوداتهم التي يدعون لها بعض القدرة، قال مؤكداً لذلك ومبطلاً لقدرة المخلصين أيضاً عطفاً على ﴿فإنكم وما تعبدون﴾ :﴿وما منا﴾ أي نحن وأنتم ومعبوادتكم وغير ذلك، أحد ﴿إلا له مقام معلوم﴾ قد قدره الله تعالى في الأزل، ثم أعلم الملائكة بما أراد منه فلا يقدر أحد من الخلق على أن يتجاوز ما أقامه فيه سبحانه نوع مجاوزة، فلكل من الملائكة مقام معروف لا يتعداه، والأولياء لهم مقام مستور بينهم وبين الله لا يطلع عليه أحد، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام لهم مقام مشهور مؤيد بالمعجزات الظاهرة، لأنهم للخلق قدوة، فأمرهم على الشهرة، وأمر الأولياء على السترة - قاله القشيري، وغير المذكورين من أهل السعادة لهم مقام في الشقاوة معلوم عند الله تعالى وعند من أطلعه عليه من عباده.
ولما سلب عن الكل كل شيء من القدرة إلا ما وهبهم، وكان الكفار يدعون أنهم يعبدون الله تعالى وينزهونه وأن الإشراك لا يقدح في ذلك، بين أن المخلصين خصواً دونهم بمواقف الصفاء، ومقامات الصدق والوفاء، لأن طاعتهم أبطلها إشراكهم، فقال مؤكداً ومخصصاً :﴿وإنا﴾ أي يا معشر المخلصين ﴿لنحن﴾ أي دونكم ﴿الصافون﴾ أي أنفسنا في الصلاة والجهاد وأجنحتنا في الهواء فيما أرسلنا به وغير ذلك لاجتماع قلوبنا على الطاعة ﴿وإنا لنحن المسبحون﴾ أي المنزهون له سبحانه عن كل نقص مما ادعيتموه من البنات وبجوز أن يكون المعنى : لنا هذا الفعل، وهو الصف والتسبيح، ولا ينوي له مفعول البتة.


الصفحة التالية
Icon