احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه لا تأثير لإغواء الشيطان ووسوسته، وإنما المؤثر قضاء الله تعالى وتقديره، لأن قوله تعالى :﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بفاتنين﴾ تصريح بأنه لا تأثير لقولهم ولا تأثير لأحوال معبوديهم في وقوع الفتنة والضلال، وقوله تعالى :﴿إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم﴾ يعني إلا من كان كذلك في حكم الله وتقديره، وذلك تصريح بأن المقتضي لوقوع هذه الحوادث حكم الله تعالى، وكان عمر بن عبد العزيز يحتج بهذه الآية في إثبات هذا المطلوب، قال الجبائي : المراد أن الذين عبدوا الملائكة يزعمون أنهم بنات الله لا يكفرون أحداً إلا من ثبت في معلوم الله أنه سيكفر، فدل هذا على أن من ضل بدعاء الشيطان لم يكن ليؤمن بالله لو منع الله الشيطان من دعائه وإلا كان يمنع الشيطان، فصح بهذا أن كل من يعصي لم يكن ليصلح عنه شيء من الأفعال والجواب : حاصل هذا الكلام أنه لا تأثير لإغواء شياطين الإنس والجن.
وهذا لا نزاع فيه إلا أن وجه الاستدلال أنه تعالى بين أنه لا تأثير لكلامهم في وقوع الفتنة، ثم استثنى منه ما في قوله تعالى :﴿إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم﴾ فوجب أن يكون المراد من وقوع الفتنة هو كونه محكوماً عليه بأنه صال الجحيم، وذلك تصريح بأن حكم الله بالسعادة والشقاوة هو الذي يؤثر في حصول الشقاوة والسعادة.
واعلم أن أصحابنا قرروا هذه الحجة بالحديث المشهور وهو أنه حج آدم موسى، قال القاضي هذا الحديث لم يقبله علماء التوحيد، لأنه يوجب أن لا يلام أحد على شيء من الذنوب، لأنه إن كان آدم لا يجوز لموسى أن يلومه على عمل كتبه الله عليه قبل أن يخلقه، فكذلك كل مذنب.