ولما كان جل المقصود - كما مضى - مقام التجرد، والإعلام بنصر المستضعفين من المؤمنين، قال :﴿ونجيناهما وقومهما﴾ أي بني إسرائيل وقد كانوا مرت لهم دهور في ذل لا يقاربه ذل المؤمنين من أصحاب محمد ـ ﷺ ـ في أول أمرهم ﴿من الكرب العظيم﴾ أي الاستبعاد، وما يتبعه من عظائم الأنكاد، وكان ذلك بهلاك القبط الذين استمروا على الضلال، وهم أضعاف أضعاف بني إسرائيل، إلى أن أهلكناهم فلم يفلت منهم إنسان، فصح لبني إسرائيل حينئذ التجرد وزال عنهم ذل التجبر والتمرد.
ولما بين نعمة النجاة من الأسر، أتبعها نعمة الالتذاذ بالنصر، فقال :﴿ونصرناهم﴾ أي موسى وهارون عليهما السلام وقومهما على كل من نازعهم في ذلك الزمان من فرعون وغيره ﴿فكانوا هم﴾ أي خاصة ﴿الغالبين﴾ أي على كل من يسومهم سوء العذاب، وهو فرعون وآله وعلى جميع من ناووه أو ناواهم، فاحذروا يا معشر قريش والعرب من مثل ذلك، ولقد كان ما حذرهم منه رسول الله ـ ﷺ ـ على أعظم ما يمكن أن يكون إلا نبينا ـ ﷺ ـ لما كان نبي الرحمة لين الله قلوبهم حتى ردهم إلى ما اغتبطوا به من متابعته، فصاروا به ملوك الدنيا والآخرة.
ولما كانت فائدة النصرة التمكن من إقامة الدين قال :﴿وآتيناهما﴾ أي بعظمتنا بعد إهلاك عدوهم ﴿الكتاب المستبين﴾ أي الجامع البين الذي هو لشدة بيانه طالب لأن يكون بيناً وهو كذلك فإنه ليس شيء من الكتب مثل التوراة في سهولة مأخذها، وجمع هارون عليه السلام معه في الضمير لأنه مثله في تقبل الكتاب والعمل بجميع ما فيه والثبات على ما يدعو إليه وإن كان نزوله خاصاً بموسى عليه السلام :﴿وهديناهما الصراط﴾ أي الطريق الواضح في الإيصال إلى المقصود ﴿المستقيم﴾ أي الذي هو لعظيم تقومه كأنه طالب لأن يكون قويماً، فهو في غاية المحافظة على القوم فلا يزيغ أصلاً، ولذلك هو شرائع الدين القيم.