ثم إلى بحر فارس ثم إلى بحر البطائح ثم دجلة فصعدت به ورمته بأرض نصيبين بالعراء، وهو كالفرخ المنتوف لا شعر ولا لحم، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى تشدد، ثم إن الأرض أكلتها فخرت من أصلها فحزن يونس لذلك حزناً شديداً، فقال : يا رب كنت أستظل تحت هذه الشجرة من الشمس والريح وأمص من ثمرها وقد سقطت، فقيل له يا يونس تحزن على شجرة أنبتت في ساعة واقتلعت في ساعة ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون تركتهم! انطلق إليهم، والله أعلم بحقيقة الواقعة.
ثم قال تعالى :﴿فالتقمه الحوت وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ يقال : التقمه والتهمه والكل بمعنى واحد، وقوله تعالى :﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ يقال : ألام إذا أتى بما يلام عليه، فالمليم المستحق للوم الآتي بما يلام عليه.
ثم قال تعالى :﴿فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين * لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ وفي تفسير كونه من المسبحين قولان الأول : أن المراد منه ما حكى الله تعالى عنه في آية أخرى أنه كان يقول في تلك الظلمات ﴿لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين﴾ [ الأنبياء : ٨٧ ] الثاني : أنه لولا أنه كان قبل أن التقمه الحوت من المسبحين يعني المصلين وكان في أكثر الأوقات مواظباً على ذكر الله وطاعته للبث في بطن ذلك الحوت، وكان بطنه قبراً له إلى يوم البعث، قال بعضهم : اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس عليه السلام كان عبداً صالحاً ذاكراً لله تعالى، فلما وقع في بطن الحوت قال الله تعالى :﴿فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون﴾ وإن فرعون كان عبداً طاغياً ناسياً، فلما أدركه الغرق قال :﴿آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا إسرائيل﴾ [ يونس : ٩٠ ] قال الله تعالى :﴿ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ﴾ [ يونس : ٩١ ] واختلفوا في أنه كم لبث في بطن الحوت، ولفظ القرآن لا يدل عليه.


الصفحة التالية
Icon