حدوثه قبل مجيء ذلك الوقت جهلاً، ثم قال تعالى : في صفة العذاب الذي يستعجلونه ﴿فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ﴾ أي هذا العذاب ﴿فَسَاء صَبَاحُ المنذرين﴾ وإنما وقع هذا التعبير عن هذه المعاني كأنهم كانوا يقدمون على العادة في وقت الصباح، فجعل ذكر ذلك الوقت كناية عن ذلك العمل، ثم أعاد تعالى قوله :﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ * وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ﴾ فقيل المراد من هذه الكلمة فيما تقدم أحوال الدنيا، وفي هذه الكلمة أحوال القيامة، وعلى هذا التقدير فالتكرير زائل، وقيل إن المراد من التكرير المبالغة في التهديد والتهويل، ثم إنه تعالى ختم السورة بخاتمة شريفة جامعة لكل المطالب العالية، وذلك لأن أهم المهمات للعاقل معرفة أحوال ثلاثة فأولها معرفة إله العالم بقدر الطاقة البشرية، وأقصى ما يمكن عرفانه من صفات الله تعالى ثلاثة أنواع أحدهما : تنزيهه وتقديسه عن كل ما لا يليق بصفات الإلهية، وهو لفظة سبحان وثانيها : وصفه بكل ما يليق بصفات الإلهية وهو قوله :﴿رَبّ العزة﴾ فإن الربوبية إشارة إلى التربية وهي دالة على كمال الحكمة، والرحمة والعزة إشارة إلى كمال القدرة وثالثها : كونه منزهاً في الإلهية عن الشريك والنظير، وقوله :﴿رب العزة﴾ يدل على أنه القادر على جميع الحوادث، لأن الألف واللام في قوله :﴿العزة﴾ تفيد الاستغراق، وإذا كل الكل ملكاً له وملكاً له ولم يبق لغيره شيء، فثبت أن قوله :﴿سبحان رَبّكَ رَبّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ﴾ كلمة محتوية على أقصى الدرجات وأكمل النهايات في معرفة إله العالم والمهم الثاني : من مهمات العاقل أن يعرف أنه كيف ينبغي أن يعامل نفسه ويعامل الخلق في هذه الحياة الدنيوية.


الصفحة التالية