ولما خص بذلك المرسلين، عم فقال :﴿وإن جندنا﴾ أي من المرسلين وأتباعهم، ولما كان مدلول الجند في اللغة العسكر والأعوان والمدينة وصنفاً من الخلق على حدة، قال جامعاً على المعنى دون اللفظ نصاً على المراد :﴿لهم﴾ أي لا غيرهم ﴿الغالبون﴾ أي وإن رئي أنهم مغلوبون لأن العاقبة لهم إن لم يكن في هذه الدار فهو في دار القرار، وقد جمع لهذا النبي الكريم فيهما، وسمى هذا كله كلمة لانتظامه معنى واحداً، ولا يضر انهزام في بعض المواطن من بعضهم ولا وهن قد يقع، وكفى دليلاً على هذا سيرة النبي ـ ﷺ ـ والخلفاء الثلاثة بعده ـ رضى الله عنه ـ م.
ولما ثبت لا محالة بهذا أنه ـ ﷺ ـ هو المنصور لأنه من المرسلين ومن جند الله، بل هو أعلاهم، سبب عن ذلك قوله :﴿فتولّ﴾ أي فكلف نفسك الإعراض ﴿عنهم﴾ أي عن ردهم عن الضلال قسراً ﴿حتى حين﴾ أي مبهم، وهو الوقت الذي عيناه لنصرك في الأزل ﴿وأبصرهم﴾ أي ببصرك وبصيرتك عند الحين الذي ضربناه لك وقبله : كيف تؤديهم أحوالهم وتقلباتهم كلما تقلبوا إلى سفول.
ولما كانوا قبل الإسلام عمياً صمًّا لأنهم لا يصدقون وعداً ولا وعيداً، ولا يفكرون في عاقبة، حذف المفعول من فعلهم فقال متوعداً محققاً بالتوسيف لا مبعداً :﴿فسوف يبصرون﴾ أي يحصل لهم الإبصار الذي لا غلط فيه بالعين والقلب بعد ما هم فيه من العمى، وهذا الحين واضح في يوم بدر وما كان من أمثاله قبل الفتح، فإنهم كان لهم في تلك الأوقات نوع من القوة، فلذلك أثبتهم نوع إثبات في أبصرهم.
ولما كانت عادتهم الاستعجال بما يهددون به استهزاء، كلما ورد عليهم تهديد، سبب عن ذلك الإنكار عليهم على وجه تهديد آخر لهم فقال :﴿أفبعذابنا﴾ أي على ما علم له من العظمة بإضافته إلينا ﴿يستعجلون﴾ أي يطلبون أن يعجل لهم فيأتيهم قبل أوانه الذي ضربناه له.