ولما تقرر له سبحانه من العظمة ما ذكر، فكان الأمر أمره والخلق خلقه، ثبت تنزهه عن كل نقص واتصافه بكل كمال، فلذلك كانت نتيجة ذلك الختم بمجامع التنزيه والتحميد فقال :﴿سبحان ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك وإقامة الدليل الظاهر المحرر على صدقك بكل ما يكون من أحوال أعدائك من كلام أو سكوت، وتأييدك بكل قوة وإلباسك كل هيبة ﴿رب العزة﴾ أي التي هو مختص بها بما أفهمته الإضافة وأفاد شاهد الوجود وحاكم العقل، وقد علم بما ذكر في هذه السورة أنها تغلب كل شيء ولا يغلبها شيء، وفي إضافة الرب إليه وإلى العزة إشارة إلى اختصاصه ـ ﷺ ـ وكل من وافقه في أمره عن جميع الخلق بالعزة وإن رئي في ظاهر الأمر غير ذلك ﴿عما يصفون﴾ مما يقتضي النقائص لما ثبت من ضلالهم وبعدهم عن الحق.
ولما قدم السلام على من شاء تخصيصه في هذه السورة من رسله عمهم فقال عاطفاً على ﴿سبحان﴾ :﴿وسلام﴾ أي تنزه له وسلامة وشرف وفخر وعلا ﴿على المرسلين﴾ أي الواصفين له بما هو له أهل، الذين اصطفاهم، الصافين صفًّا، الزاجرين زجراً، التالين ذكراً، من البشر والملائكة المذكورين في هذه السورة وغيرهم لأجل ما حكم لهم من سبحانه في الأزل من العز والنصر ﴿والحمد﴾ أي الإحاطة بأوصاف الكمال ﴿لله﴾ أي الجامع لجميع الأسماء الحسنى التي دل عليها مجموع خلقه، وإلى ذلك أشار بقوله :﴿رب العالمين﴾ فهو حينئذ الواحد المعتال، الذي تنزه عن الأكفاء والأمثال، والنظراء والأشكال، في كل شيء من الأقوال والأفعال، والشؤون والأحوال، ولقد ترافق آخرها - كما ترى - وأولها، وتعانق مفصلها وموصلها - والله الهادي إلى الصواب. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٦ صـ ٣٥١ ـ ٣٥٥﴾