قال تعالى "يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً" عنا "فِي الْأَرْضِ" لتدبير أمر أهلها في معاشهم ومعادهم نيابة عنا وأعلم أن هذه الآية تشير إلى أن التوبة تمحو الذنب كما جاءت الآثار الصحيحة به وإلى أن حالة داود عليه السلام بعد التوبة كحالته قبلها فلم يتبدل أو يتغير عليه شيء من اللّه بدلالة قوله "فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ" الذي شرعته لك لتقوم به بينهم، وبما أوحيه إليك فيما تردد فيه "وَلا تَتَّبِعِ" منه في حكمك "الْهَوى " فنقض بما تراه نفسك لان اتباع هوى النفس لا يكاد يقع من معصوم مثلك، وهذا على سبيل الإرشاد لمقتضى الخلافة وتنبيه لغيره ممن يتولى القضاء بين الناس، ولان الحكم بغير ما شرعه اللّه غير مناسب لمقامه تعالى، ولهذا كان حضرة الرسول الأعظم عند ما يسأل عن شيء لم ينزل به اللّه قرآنا، يرجىء الجواب حتى يتلقى الوحي فيه خوفا من أن يفتي بغير مراد اللّه "فَيُضِلَّكَ" اتباع الهوى في القضاء وغيره "عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" طريقه السوي الذي سنه لعباده.
ومما يدل على أن في هذه الآية تنبيه ولاة الأمور على الإطلاق من الوقوع في الخطأ والحكم بالرأي أو العلم قوله جل قوله "إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"
في الأحكام وغيرها "لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ" في الآخرة "بِما نَسُوا" غفلوا عما أمروا به في الدنيا، ومن أعظم ذلك عذابا ترك العدل في القضاء "يَوْمَ الْحِسابِ ٢٦" والجزاء لأنهم لو تذكروا عذاب اللّه في ذلك اليوم العظيم لما فرطوا في الأمر ولما حصلت لهم الغفلة والنسيان والخطأ.
كان إسماعيل الساماني إذا قضى بشيء قال : إلهي هذا جهدي وطاقتي ولا أعلم أجنفت أم ظلمت فاغفر لي.
وأنا ممن يقول هذا، وأستغفر اللّه.