قال تعالى "وَوَهَبْنا لِداوُدَ" زيادة على نعمنا السابقة "سُلَيْمانَ" خلفا له في نبوته وملكه ونعم الهبة الولد الصالح وهو "نِعْمَ الْعَبْدُ" المخصوص بالمدح هو سليمان عليه السلام وبعض المفسرين جعل المخصوص بالمدح داود وهو أهل للمدح إلا أن القول به غير سديد لأن سياق الآية ينفيه، وما بعده لا يقتضيه، لأن عود الاختصاص لا قرب مذكور هو المشهور، وإن اللّه مدح داود قبل، وإن قوله "إِنَّهُ أَوَّابٌ ٣٠" يصلح رجوعه إلى كل منهما وإن كانت بحسب الواقع تنصرف للقريب أيضا، ومعناه كثير الرجوع إلى ربه بالتوبة والندم الذي ديدنه الالتجاء
إلى فضل اللّه والخضوع لأمره، وهو من أسماء المبالغة أي كل ما بدرت منه بادرة، أو فرط منه شيء تاب منه واستغفر ربه عنه.
مطلب صلاة الأوّابين وقصة سليمان وفي حادثة السيد سليمان هذه شرعت صلاة الأوابين وهي من السنن في شريعتنا وتسمّى صلاة الغفلة، لأن سيدنا سليمان غفل عن صلاة العصر بسبب اشتغاله باستعراض الخيل، صلاها بعد المغرب، مع أن المفروض عليه صلاة العصر، فلما غفل عنها صلاها بعد المغرب وقبل العشاء وهو وقت غفلة.
وأقلها ركعتان، وغالبها ست وأكثرها عشرون كما في البيجوري علي ابن قاسم، ونقل الطحطاوي عن شرح الوقاية لشيخي زاده أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال أفضل الصلوات عند اللّه المغرب، لم يحطها عن مسافر ولا مقيم، فتح اللّه بها صلاة الليل، وختم بها صلاة النهار، فمن صلّى بعد المغرب ركعتين بنى اللّه له قصرين في الجنة، ومن صلّى بعدها أربعا غفر له ذنوب عشرين سنة، وقال المنادي الصلاة بين العشاءين هي ناشئة الليل المنوه بها في الآية ٦ من المزمل المارة.
وقال الغزالي إحياء ما بين العشاءين سنة مؤكدة، ولهذا البحث صلة في الآية ٢٥ من الإسراء الآتية فراجعها،


الصفحة التالية
Icon