تكون (بَلِ) في الآية المتقدمة بعد القسم للانتقال من القسم والمقسم به والمقسم عليه إلى ذكر أنفة المشركين وغلظتهم ومخالفتهم لما جاء به حضرة الرسول لأن عزتهم تلك عبارة عن حمية جاهلية وتكبر عن الحق الصريح مشاحنة وعداوة به صلّى اللّه عليه وسلم ليس إلا قال تعالى "كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ" أي قومك أيها المخاطب النبيل "مِنْ قَرْنٍ" أي أهله من اطلاق الظرف وإرادة المظروف "فَنادَوْا" عند نزول العذاب بهم بالويل والثبور والاستغاثة قصد النجاة منه فلم يجابوا وأرادوا الفرار فلم يقدروا "وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ٣" أي ليس الحين حين فرار وخلاص مما نزل بهم وجاء هذا على ما كانت تعتاده كفرة قريش عند مضايقتها في الحروب إذ يقول بعضهم لبعض مناص أي اهربوا وخذوا حذركم والمعنى هنا أن عذاب اللّه لا مخلص منه.
وما قيل إن هذه الآية نزلت في حادثة بدر لا صحة له لأن هذه السورة كلها مكية والآية جارية في معرض ذكر هلاك الأمم الماضية المنوه بها في السورة قبلها وأن سياقها يأبى ذلك "وَعَجِبُوا" هؤلاء الكفرة "أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ" من أنفسهم نسبا وأحسنهم حسبا وأعظمهم مكانة "وَقالَ الْكافِرُونَ" أني بالظاهر بدل المضمر في معرض الذم اعلاما بأنه لا يقدم على هذا إلا المنهمك في الكفر المتوغل في الفسوق "هذا" أي محمد الذي جاءكم يدعي النبوة "ساحِرٌ كَذَّابٌ ٤" مع أنهم يسمونه الأمين قبل أن يكون نبيا، ويعلمون أنه ليس بساحر ولا يوجد بمكة من يعرف السحر إذ ذاك، ولم يخرج من بين أظهرهم فوصمهم لحضرته بالسحر محض افتراء وبهتان.


الصفحة التالية
Icon