ولما كان في سياق الأوبة، وكان آخر النهار وقت الرجوع لكل ذي إلف إلى مألفه مع أنه وقت الفتور والاستراحة من المتاعب قال :﴿بالعشي﴾ أي تقوية للعامل وتذكيراً للغافل.
ولما كان في سياق الفيض والتشريف بالقرآن قال :﴿والإشراق﴾ أي في وقت ارتفاع الشمس عن انتشاب الناس في الأشغال، واشتغالهم بالمآكل والملاذ من الأقوال والأفعال، تذكيراً لهم وترجيعاً عن مألوفاتهم إلى تقديس ربهم سبحانه، وليس الإشراق طلوع الشمس، إنما هو صفاؤها وضوءها، وشروقها طلوعها، وروت أم هانىء ـ رضى الله عنه ـ ا أن النبي ـ ﷺ ـ صلى في بيتها الضحى وقال لها :" هذه صلاة الإشراق " وفي الجامع لعبد الرزاق أن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ قال : صلاة الضحى في القرآن، ولكن لا يغوص عليها إلا غائص، ثم قرأ هذه الآية.
وإليها الإشارة أيضاً - والله أعلم - بصلاة الأوابين ﴿واذكر عبدنا داود ذا الأيد أنه أواب﴾ ﴿ووهبنا لداود سليمان نعم العبد أنه أواب﴾ ﴿يا جبال أوبي معه﴾ ﴿والطير محشورة كل له أواب﴾ روى مسلم في صحيحه وعبد بن حميد في مسنده والدارمي في جامعه المسمى بالمسند عن زيد بن أرقم ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" صلاة الأوابين حين ترمض الفصال "، ولفظ الدارمي أن النبي ـ ﷺ ـ خرج عليهم وهو يصلون بعد طلوع الشمس فقال :" صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال "، ولفظ عبد أن النبي ـ ﷺ ـ أتاهم في مسجد قباء فرآهم يصلون الضحى فقال :" هذه صلاة الأوابين وكانوا يصلونها إذا رمضت الفصال " أي بركت من شدة الحر وإحراقه أخفافها، من الرمض - بالتحريك، وهو شدة الشمس على الرمل وغيره، والرمضاء : الشديدة الحر.


الصفحة التالية
Icon