فالقصة الأولى : قصة داود، واعلم أن مجامع ما ذكره الله تعالى في هذه القصة ثلاثة أنواع من الكلام فالأول : تفصيل ما آتى الله داود من الصفات التي توجب سعادة الآخرة والدنيا والثاني : شرح تلك الواقعة التي وقعت له من أمر الخصمين والثالث : استخلاف الله تعالى إياه بعد وقوع تلك الواقعة أما النوع الأول : وهو شرح الصفات التي آتاها الله داود من الصفات الموجبة لكمال السعادة فهي عشرة الأول : قوله لمحمد ﷺ :﴿اصبر على مَا يَقُولُونَ واذكر عَبْدَنَا دَاوُودُ﴾ فأمر محمداً ﷺ على جلالة قدره بأن يقتدي في الصبر على طاعة الله بداود وذلك تشريف عظيم وإكرام لداود حيث أمر الله أفضل الخلق محمداً ﷺ بأن يقتدي به في مكارم الأخلاق والثاني : أنه قال في حقه :﴿عَبْدَنَا دَاوُودُ﴾ فوصفه بكونه عبداً له وعبر عن نفسه بصيغة الجمع الدالة على نهاية التعظيم، وذلك غاية التشريف، ألا ترى أنه سبحانه وتعالى لما أراد أن يشرف محمداً عليه السلام ليلة المعراج قال :﴿سُبْحَانَ الذى أسرى بِعَبْدِهِ﴾ [ الإسراء : ١ ] فههنا يدل على ذلك التشريف لداود فكان ذلك دليلاً على علو درجته أيضاً، فإن وصف الله تعالى الأنبياء بعبوديته مشعر بأنهم قد حققوا معنى العبودية بسبب الاجتهاد في الطاعة والثالث : قوله :﴿ذَا الأيد﴾ أي ذا القوة على أداء الطاعة والاحترازعن المعاصي، وذلك لأنه تعالى لما مدحه بالقوة وجب أن تكون تلك القوة موجبة للمدح، والقوة التي توجب المدح العظيم ليست إلا القوة على فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه ﴿والأيد﴾ المذكور ههنا كالقوة المذكورة في قوله :