" عقرى حلقى " ولأم سلمة ـ رضى الله عنه ـ ا " تربت يمينك " وقوله ـ ﷺ ـ :" ثلاث جدهن جد وهزلهن جد " مشير إلى أن الكلام قد لا يراد به معناه، ومن هنا كان الحكم في ألفاظ الكنايات أنه لا يقع بها شيء إلا إن اقترن بقصد المعنى، ولما كان هذا القدر معلوماً عطف عليه قوله :﴿وظن داود﴾ أي بذهابهم قبل فصل الأمر وقد دهمه من ذلك أمر عظيم من عظمة الله لا عهد له بمثله ﴿أنما فتناه﴾ أي اختبرناه بهذه الحكومة في الأحكام التي يلزم الملوك مثلها ليتبين أمرهم فيها.
وعلم أنه بادر إلى نسبة المدعى عليه إلى أنه ظلم من قبل أن يسمع كلامه ويسأله المدعي الحكم، فعاتبه الله على ذلك، والأنبياء عليهم السلام لعلو مقاماتهم يعاتبون على مثل هذا، وهو من قصر الموصوف على الصفة قلباً، أي هذه القصة مقصورة على الفتنة لا تعلق لها بالخصوصة، ولو كان المراد ما قيل من قصة المرأة التي على كل مسلم تنزيهه وسائر إخوانه عليهم السلام عن مثلها لقيل " وعلم داود " ولم يقل : وظن - كما يشهد بذلك كل من له أدنى ذوق في المحاورات - والله الموفق، وقال الزمخشري : وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور أن علي بن أبي طالب ـ رضى الله عنه ـ قال : من حدثكم بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين، وهو حد الفرية على الأنبياء عليهم السلام، وروي أنه حدث بذلك عمر بن عبد العزيز، وعنده رجل من أهل الحق، فكذب المحدث به وقال : إن كانت القصة على ما في كتاب الله عز وجل فما ينبغي أن يلتمس خلافها، وأعظم بأن يقال غير ذلك، وإن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها ستراً على نبيه ـ ﷺ ـ فما ينبغي إظهارها عليه، فقال عمر بن عبد العزيز : لسماعي هذا الكلام أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس.