والعزيز من العباد من يحتاج إليه عباد الله فى أهم أمورهم وهى الحياة الأخروية والسعادة الأبدية وذلك مما يقل لا محالة وجوده ويصعب إدراكه وهذه رتبة الأنبياء ـ عليهم السلام ـ ويشاركهم فى العز من يتفرد بالقرب من درجتهم فى عصره كالخلفاء وورثتهم من العلماء وعزة كل واحد بقدر علو رتبته عن سواه فى النيل والمشاركة وبقدر عنائه فى إرشاد الخلق والحق ذو الحكمة.
والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأجل العلوم وأجل الأشياء هو الله تعالى ولا يعرف كنه معرفته غيره فهو الحكيم المطلق لأنه يعلم أجل الأشياء بأجل العلوم، إذ أجل العلوم هو العلم الأزلى الدائم الذى لا يتصور زواله المطابق للمعلوم مطابقة لا يتطرق إليها خفاء وشبهة ولا يتصف بذلك إلا علم الله تعالى، وقد يقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويحكمها ويتقن صنعتها حكيما، وكمال ذلك أيضا ليس إلا لله تعالى فهو الحكيم المطلق ومن عرف جميع الأشياء ولم يعرف الله تعالى لم يستحق أن يسمى حكيما لأنه لم يعرف أجل الأشياء وأفضلها، والحكمة أجل العلوم، وجلالة العلم بقدر جلالة المعلوم، ولا أجل من الله ومن عرف الله فهو حكيم وإن كان ضعيف المنة فى سائر العلوم الرسمية كليل اللسان قاصر البيان فيها إلا أن نسبة حكمة العبد إلى حكمة الله تعالى كنسبة معرفته إلى معرفته بذاته وشتان بين المعرفتين فشتان بين الحكمتين، ولكنه مع بعده عنه فهو أنفس المعارف وأكثرها خيرا ومن أوتى الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا وما يتذكر إلا أولوا الألباب.
نعم من عرف الله كان كلامه مخالفا لكلام غيره فإنه قلما يتعرض للجزئيات بل يكون كلامه جمليا ولا يتعرض لمصالح العاجلة، بل يتعرض لما ينفع فى العاقبة ولما كانت الكلمات الكلية أظهر عند الناس من أحوال الحكيم من معرفته بالله ربما أطلق الناس اسم الحكمة على مثل تلك الكلمات الكلية ويقال للناطق بها حكيم وذلك مثل قول سيد الأنبياء ـ عليه السلام ـ :


الصفحة التالية
Icon