قيل : الاصطفاء ضربان، أحدهما كما قلت، والآخر في الدنيا، وهو اختصاص الله بعض العبيد بولايته ونبوته بخصوصية فيه، وهو المعنيّ بقوله :﴿ شَاْكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ ﴾ [ النحل : ١٢١ ]، والصلاح وإن اعتبر بأحوال الدنيا، فمجازى به في الآخرة، فبيّن تعالى أنه مجتبى في الدنيا لما علم الله من حكمته فيه، ومحكوم له في الآخرة، بصلاحه في الدنيا، تنبيهاً أن الثواب في الآخرة لم يستحقه باصطفائه في الدنيا، وإنما استحقه بصلاحه فيها، ويجوز أن يكون قوله :﴿ فِي الآخِرَةِ ﴾ أي : في أفعال الآخرة حال وفاته، ويكون الإشارة بصلاحه إلى الثناء الحسن عليه، الذي رغب إلى الله تعالى فيه بقوله :﴿ وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ﴾ [ الشعراء : ٨٤ ] ويجوز أنه لما كان الناس ثلاثة أضرب : ظالم، ومقتصد، وسابق، عبر عن السابق بالصالح، فكل سابق إلى طاعة الله ورحمته صالح. انتهى. وكل ذلك تذكير لأهل الكتاب بما عندهم من العلم بأمر هذا النبي الكريم، وإقامة المحجة عليهم، لأن أكثر ذلك معطوف على :﴿ اذْكُرُواْ ﴾ في قوله :﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ ﴾ [ البقرة : ٤٠ ] ولما ذكر إمامته عليه السلام، ذكر ما يؤتم به فيه، وهو سبب اصطفائه، وصلاحه، وذلك دينه، وما أوصى به بنيه، وما أوصى به بنوه بنيهم سلفاً عن خلف، ولاسيما يعقوب عليه السلام المنوه بنسبه أهل الكتاب إليه فقال :


الصفحة التالية
Icon