وأجاب صاحب الميزان عن هذا السؤال بكلام نفيس فقال :
من البديهي أن الإسلام على ما تداول بيننا من لفظه، ويتبادر إلى أذهاننا من معناه أول مراتب العبودية، وبه يمتاز المنتحل من غيره، وهو الأخذ بظاهر الاعتقادات، والأعمال الدينية أعم من الإيمان والنفاق، وإبراهيم (عليه السلام) - وهو النبي الرسول أحد الخمسة أولي العزم، صاحب الملة الحنيفية - أجل من أن يتصور في حقه أن لا يكون قد ناله إلى هذا الحين، وكذا ابنه إسماعيل رسول الله وذبيحه، أو يكونا قد نالاه ولكن لم يعلما بذلك، أو يكونا علما بذلك وأرادا البقاء على ذلك، وهما في ما هما فيه من القربى والزلفى، والمقام مقام الدعوة عند بناء البيت المحرم، وهما أعلم بمن يسألانه، وأنه من هو، وما شأنه، على أن هذا الإسلام من الأمور الاختيارية التي يتعلق بها الأمر والنهى كما قال تعالى :(إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) البقرة - ١٣١، ولا معنى لنسبة ما هو كذلك إلى الله سبحانه أو مسألة ما هو فعل اختياري للإنسان من حيث هو كذلك من غير عناية يصح معها ذلك.
فهذا الإسلام المسئول غير ما هو المتداول المتبادر عندنا منه، فإن الإسلام مراتب والدليل على أنه ذو مراتب قوله تعالى :(إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت الآية) حيث يأمرهم إبراهيم بالإسلام وقد كان مسلما، فالمراد بهذا الإسلام المطلوب غير ما كان عنده من الإسلام الموجود، ولهذا نظائر في القرآن.
فهذا الإسلام هو الذي سنفسره من معناه، وهو تمام العبودية وتسليم العبد كل ما له إلى ربه. أ هـ ﴿الميزان حـ١ صـ٢٨٤﴾