فصل
قال الفخر :
قوله :﴿رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ﴾ واعلم أنه لا شبهة في أن قوله :﴿رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً﴾ يريد من أراد بقوله :﴿وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾ لأنه المذكور من قبل ووصفه لذريته بذلك لا يليق إلا بأمة محمد ـ ﷺ ـ، فعطف عليه بقوله تعالى :﴿رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ﴾ وهذا الدعاء يفيد كمال حال ذريته من وجهين.
أحدهما : أن يكون فيهم رسول يكمل لهم الدين والشرع ويدعوهم إلى ما يثبتون به على الإسلام.
والثاني : أن يكون ذلك المبعوث منهم لا من غيرهم لوجوه.
أحدها : ليكون محلهم ورتبتهم في العز والدين أعظم، لأن الرسول والمرسل إليه إذا كانا معاً من ذريته، كان أشرف لطلبته إذا أجيب إليها.
وثانيها : أنه إذا كان منهم فإنهم يعرفون مولده ومنشأه فيقرب الأمر عليهم في معرفة صدقه وأمانته.
وثالثها : أنه إذا كان منهم كان أحرص الناس على خيرهم وأشفق عليهم من الأجنبي لو أرسل إليهم، إذا ثبت هذا فنقول : إذا كان مراد إبراهيم ـ عليه السلام ـ عمارة الدين في الحال وفي المستقبل، وكان قد غلب على ظنه أن ذلك إنما يتم ويكمل بأن يكون القوم من ذريته حسن منه أن يريد ذلك ليجتمع له بذلك نهاية المراد في الدين، وينضاف إليه السرور العظيم بأن يكون هذا الأمر في ذريته لأن لا عز ولا شرف أعلى من هذه الرتبة.