فإن قيل : لم لا يجوز حمله على تعليم الدلائل العقلية على التوحيد والعدل والنبوة ؟ قلنا : لأن العقول مستقبلة بذلك فحمل هذا اللفظ على ما لا يستفاد من الشرع أولى.
وثالثها : الحكمة هي الفصل بين الحق والباطل، وهو مصدر بمعنى الحكم، كالقعدة والجلسة.
والمعنى : يعلمهم كتابك الذي تنزله عليهم، وفصل أقضيتك وأحكامك التي تعلمه إياها، ومثال هذا : الخبر والخبرة، والعذر والعذرة، والغل والغلة، والذل والذلة.
ورابعها : ويعلمهم الكتاب أراد به الآيات المحكمة.
( والحكمة) أراد بها الآيات المتشابهات.
وخامسها :﴿يَعْلِمُهُمْ الكتاب﴾ أي يعلمهم ما فيه من الأحكام.
( والحكمة) أراد بها أنه يعلمهم حكمة تلك الشرائع وما فيها من وجوه المصالح والمنافع، ومن الناس من قال : الكل صفات الكتاب كأنه تعالى وصفه بأنه آيات، وبأنه كتاب، وبأنه حكمة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٤ صـ ٦١﴾
قوله تعالى ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾
قال الفخر :
الصفة الرابعة : من صفات الرسول ـ ﷺ ـ : قوله :" ويزكيهم" واعلم أن كمال حال الإنسان في أمرين.
أحدهما : أن يعرف الحق لذاته.
والثاني : أن يعرف الخير لأجل العمل به، فإن أخل بشيء من هذين الأمرين لم يكن طاهراً عن الرذائل والنقائص، ولم يكن زكياً عنها، فلما ذكر صفات الفضل والكمال أردفها بذكر التزكية عن الرذائل والنقائص، فقال :(ويزكيهم) واعلم أن الرسول لا قدرة له على التصرف في بواطن المكلفين، وبتقدير أن تحصل له هذه القدرة لكنه لا يتصرف فيها وإلا لكان ذلك الزكاء حاصلاً فيهم على سبيل الجبر لا على سبيل الاختيار، فإذن هذه التزكية لها تفسيران.