وقالت طائفة : عرض على سليمان الخيل وهو في الصلاة، فأشار إليهم أني في صلاتي، فأزالوها عنه حتى دخلت في الاصطبلات ؛ فقال هو لما فرغ من صلاته :﴿ إني أحببت حب الخير ﴾، أي الذي عند الله في الآخرة بسبب ذكر ربي، كأنه يقول : فشغلني ذلك عن رؤية الخيل حتى أدخلت اصطبلاتها، ردوها عليّ فطفق يمسح أعرافها وسوقها محبة لها.
وقال ابن عباس والزهري : مسحه بالسوق والأعناق لم يكن بالسيف بل بيدية تكريماً لها ومحبة، ورجحه الطبري.
وقيل : بل غسلاً بالماء.
وقال الثعلبي : إن هذا المسح كان في السوق والأعناق بوسم حبس في سبيل الله. انتهى.
وهذا القول هو الذي يناسب مناصب الأنبياء، لا القول المنسوب للجمهور، فإن في قصته ما لا يليق ذكره بالنسبة للأنبياء.
و﴿ حتى توارت ﴾ : غاية، فالفعل يكون قبلها متطاولاً حتى تصح الغاية، فأحببت : معناه أردت المحبة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : بم اتصل قوله :﴿ ردوها عليّ ﴾ ؟ قلت : بمحذوف تقديره : قال ردوها عليّ، فأضمروا ضمير ما هو جواب له، كأن قائلاً قال : فماذا قال سليمان؟ لأنه موضع مقتض للسؤال اقتضاء ظاهراً.
ثم ذكر الزمخشري لفظاً فيه غض من النبوة فتركته.
وما ذهب إليه من هذا الإضمار لا يحتاج إليه، إذ الجملة مندرجة تحت حكاية القول وهو :﴿ فقال إني أحببت ﴾.
فهذه الجملة وجملة ﴿ ردوها علي ﴾ محكيتان بقال، وطفق من أفعال المقاربة للشروع في الفعل، وحذف غيرها لدلالة المصدر عليه، أي فطفق يمسح مسحاً.
وقرأ الجمهور :﴿ مسحاً ﴾ : وزيد بن علي : مساحاً، على وزن قتال، والباء ﴿ بالسوق ﴾ زائدة، كهي في قوله :﴿ فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ﴾ وحكى سيبويه : مسحت برأسه ورأسه بمعنى واحد، وتقدم الكلام على ذلك في المائدة.