فصل


قال الفخر :
﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) ﴾
واعلم أن هذا هو القصة الثانية وقوله :﴿نِعْمَ العبد﴾ فيه مباحث :
الأول : نقول المخصوص بالمدح في ﴿نِعْمَ العبد﴾ محذوف، فقيل هو سليمان، وقيل داود، والأول أولى لأنه أقرب المذكورين، ولأنه قال بعده ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ولا يجوز أن يكون المراد هو داود، لأن وصفه بهذا المعنى قد تقدم في الآية المتقدمة حيث قال :﴿واذكر عَبْدَنَا دَاوُودُ ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ ص : ١٧ ] فلو قلنا لفظ الأواب ههنا أيضاً صفة داود لزم التكرار، ولو قلنا إنه صفة لسليمان لزم كون الابن شبيهاً لأبيه في صفات الكمال في الفضيلة، فكان هذا أولى.
الثاني : أنه قال أولاً ﴿نِعْمَ العبد﴾ ثم قال بعده ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ وهذه الكلمة للتعليل، فهذا يدل على أنه إنما كان ﴿نِعْمَ العبد﴾ لأنه كان أواباً، فيلزم أن كل من كان كثير الرجوع إلى الله تعالى في أكثر الأوقات وفي أكثر المهمات كان موصوفاً بأنه ﴿نِعْمَ العبد﴾ وهذا هو الحق الذي لا شبهة فيه، لأن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به، ورأس المعارف ورئيسها معرفة الله تعالى، ورأس الطاعات ورئيسها الاعتراف بأنه لا يتم شيء من الخيرات إلا بإعانة الله تعالى، ومن كان كذلك كان كثير الرجوع إلى الله تعالى فكان أواباً، فثبت أن كل من كان أواباً وجب أن يكون ﴿نِعْمَ العبد ﴾.
أما قوله :﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ﴾ ففيه وجوه الأول : التقدير ﴿نِعْمَ العبد﴾ هو إذ كان من أعماله أنه فعل كذا الثاني : أنه ابتداء كلام.


الصفحة التالية
Icon