والتقدير اذكر يا محمد إذ عرض عليه كذا وكذا، والعشي هو من حين العصر إلى آخر النهار عرض الخيل عليه لينظر إليها ويقف على كيفية أحوالها، والصافنات الجياد الخيل وصفت بوصفين أولهما : الصافنات، قال صاحب "الصحاح" : الصافن الذي يصفن قدميه، وفي الحديث " كنا إذا صلينا خلفه فرفع رأسه من الركوع قمنا صفونا " أي قمنا صافنين أقدامنا، وأقول على كلا التقديرين فالصفون صفة دالة على فضيلة الفرس والصفة الثانية : للخيل في هذه الآية الجياد، قال المبرد : والجياد جمع جواد وهو الشديد الجري، كما أن الجواد من الناس هو السريع البذل، فالمقصود وصفها بالفضيلة والكمال حالتي وقوفها وحركتها.
أما حال وقوفها فوصفها بالصفون، وأما حال حركتها فوصفها بالجودة، يعني أنها إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها على أحسن الأشكال، فإذا جرت كانت سراعاً في جريها، فإذا طلبت لحقت، وإذا طلبت لم تلحق، ثم قال تعالى :﴿فَقَالَ إِنّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِى﴾ وفي تفسير هذه اللفظة وجوه الأول : أن يضمن أحببت معنى فعل يتعدى بعن، كأنه قيل أنبت حب الخير عن ذكر ربي والثاني : أن أحببت بمعنى ألزمت، والمعنى أني ألزمت حب الخيل عن ذكر ربي، أي عن كتاب ربي وهو التوراة، لأن ارتباط الخيل كما أنه في القرآن ممدوح فكذلك في التوراة ممدوح والثالث : أن الإنسان قد يحب شيئاً لكنه يحب أن لا يحبه كالمريض الذي يشتهي ما يزيد في مرضه، والأب الذي يحب ولده الرديء، وأما من أحب شيئاً، وأحب أن يحبه كان ذلك غاية المحبة فقوله أحببت حب الخير بمعنى أحببت حبي لهذه الخيل.
ثم قال :﴿عَن ذِكْرِ رَبِى﴾ بمعنى أن هذه المحبة الشديدة إنما حصلت عن ذكر الله وأمره لا عن الشهوة والهوى، وهذا الوجه أظهر الوجوه.


الصفحة التالية
Icon