ثم قال تعالى :﴿إنا وجدناه صابراً﴾ فإن قيل كيف وجده صابراً وقد شكى إليه، والجواب من وجوه الأول : أنه شكى من الشيطان إليه وما شكى منه إلى أحد الثاني : أن الألم حين كان على الجسد لم يذكر شيئاً فلما عظمت الوساوس خاف على القلب والدين فتضرع الثالث : أن الشيطان عدو، والشكاية من العدو إلى الحبيب لا تقدح في الصبر، ثم قال :﴿نعم العبد إنه أواب﴾ وهذا يدل على أن تشريف نعم العبد، إنما حصل لكونه أواباً، وسمعت بعضهم قال : لما نزل قوله تعالى :﴿نعم العبد﴾ في حق سليمان عليه السلام تارة، وفي حق أيوب عليه السلام أخرى عظم الغم في قلوب أمة محمد ﷺ، وقالوا إن قوله تعالى :﴿نِعْمَ العبد﴾ في حق سليمان تشريف عظيم، فإن احتجنا إلى اتفاق مملكة مثل مملكة سليمان حتى بحد هذا التشريف لم نقدر عليه، وإن احتجنا إلى تحمل بلاء مثل أيوب لم نقدر عليه، فكيف السبيل إلى تحصيله.
فأنزل الله تعالى قوله :﴿نِعْمَ المولى وَنِعْمَ النصير﴾ [ الأنفال : ٤٠ ] والمراد أنك إن لم تكن ﴿نِعْمَ العبد﴾ فأنا ﴿نِعْمَ المولى﴾ وإن كان منك الفضول، فمني الفضل، وإن كان منك التقصير، فمني الرحمة والتيسير. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٦ صـ ١٨٥ ـ ١٨٨﴾