ولما كان المتكىء لا يتم نعيمه إلا إن كان مخدوماً، دل على سؤددهم بقوله :﴿يدعون فيها﴾ اي كلما أرادوا من غير مانع أصلاً ولا حاجة إلى قيام ولا قعود يترك به الاتكاء.
ولما كان أكلهم إنما هو للتفكه لا لحفظ الجسد من آفة قال :﴿بفاكهة كثيرة﴾ فسمى جميع مآكلهم فاكهة، ولما كانت الفاكهة لا يمل منها، والشراب لا يؤخذ إلا بقدر الكفاية، وصفها دونه فقال :﴿وشراب ﴾.
ولما كان الأكل والشرب داعيين إلى النساء لا سيما مع الراحة قال :﴿وعندهم﴾ أي لهم من غير مفارقة أصلاً.
ولما كان سياق الامتنان مفهماً كثرة الممتن به لا سيما إذا كان من العظيم، أتى بجمع القلة مريداً به الكثرة لأنه أشهر وأوضح وأرشق من " قواصر " المشترك بين جمع قاصر وقوصرة - بالتشديد والتخفيف - لوعاء التمر فقال :﴿قاصرات﴾ ولما كن على خلق واحد في العفة وكمال الجمال وحد فقال :﴿الطرف﴾ أي طرفهن لعفتهن وطرف أزواجهن لحسنهن، ولما لم تنقص صيغة جمع القلة المعنى، لكونه في سياق المدح والامتنان، وكان يستعار للكثرة، أتى على نمط الفواصل بقوله :﴿أتراب﴾ أي على سن واحد مع أزواجهن وهو الشباب، سمي القرين ترباً لمس التراب جلده وجلد قرينه في وقت واحد، قال البغوي : بنات ثلاث وثلاثين سنة، لأن ذلك ادعى للتآلف فإن التحاب بين الأقران أشد وأثبت.
ولما ذكر هذا النعيم لأهل الطاعة، وقدم ذلك العذاب لأهل المعصية قال :﴿هذا﴾ أي الذي ذكر هنا والذي مضى ﴿ما﴾ وبني للمفعول اختصاراً وتحقيقاً للتحتم قوله :﴿توعدون﴾ من الوعد والإيعاد، وقراءة الغيب على الأسلوب الماضي، ومن خاطب لفت الكلام للتلذيذ بالخطاب تنشيطاً لهممهم وإيقاظاً لقلوبهم ﴿ليوم الحساب﴾ أي ليكون في ذلك اليوم.


الصفحة التالية
Icon