فصل


قال الفخر :
﴿ هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) ﴾
اعلم أنه تعالى لما وصف ثواب المتقين، وصف بعده عقاب الطاغين، ليكون الوعيد مذكوراً عقيب الوعد، والترهيب عقيب الترغيب.
واعلم أنه تعالى ذكر من أحوال النار أنواعاً فالأول : مرجعهم ومآبهم، فقال :﴿هذا وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ مَئَابٍ﴾ [ ص : ٥٥ ] وهذا في مقابلة قوله :﴿وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لحُسْن مَئَابٍ﴾ [ ص : ٤٩ ] فبين تعالى أن حال الطاغين مضاد لحال المتقين، واختلفوا في المراد بالطاغين، فأكثر المفسرين حملوه على الكفار، وقال الجبائي : إنه محمول على أصحاب الكبائر سواء كانوا كفاراً أو لم يكونوا كذلك، واحتج الأولون بوجوه الأول : أن قوله :﴿لَشَرَّ مَئَابٍ﴾ يقتضي أن يكون مآبهم شراً من مآب غيرهم، وذلك لا يليق إلا بالكفار الثاني : أنه تعالى حكى عنهم أنهم قالوا :﴿أتخذناهم سِخْرِيّاً﴾ وذلك لا يليق إلا بالكفار، لأن الفاسق لا يتخذ المؤمن سخرياً الثالث : أنه اسم ذم، والاسم المطلق محمول على الكامل، والكامل في الطغيان هو الكافر، واحتج الجبائي على صحة قوله بقوله تعالى :﴿إِنَّ الإنسان ليطغى * أَن رَّءاهُ استغنى﴾ [ العلق : ٦، ٧ ] وهذا يدل على أن الوصف بالطغيان قد يحصل في حق صاحب الكبيرة، ولأن كل من تجاوز عن تكاليف الله تعالى وتعداها فقد طغى، إذا عرفت هذا فنقول : قال ابن عباس رضي الله عنهما، المعنى أن الذين طغوا وكذبوا رسلي لهم شر مآب، أي شر مرجع ومصير، ثم قال :﴿جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا﴾ والمعنى أنه تعالى لما حكم بأن الطاغين لهم شر مآب فسره بقوله :﴿جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا﴾ ثم قال :﴿فَبِئْسَ المهاد﴾ وهو كقوله :﴿لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [ الأعراف : ٤١ ] شبه الله ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم.
ثم قال تعالى :﴿هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ وفيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon