﴿ وَقَالُواْ ﴾ أي الطَّاغُون ﴿ مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ الاشرار ﴾ يعنون فقراءَ المُسلمينَ الذين كانُوا يسترذلونَهم ويسخرُون منهم ﴿ أتخذناهم سِخْرِيّاً ﴾ بهمزةِ استفهامٍ سقطتْ لأجلها همزةُ الوصل. والجملةُ استئنافٌ لا محلَّ لها من الإعرابِ قالُوه إنكاراً على أنفسِهم وتأنيباً لها في الاستسخارِ منهم ﴿ أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأبصار ﴾ متَّصلٌ باتَّخذناهم على أنَّ أم متَّصلة والمعنى أيَّ الأمرينِ فعلنَا بهم الاستسخارُ منهم أم الازدراءُ بهم وتحقيرُهم، وإنَّ أبصارَنا كانت تزيغُ عنهم وتقتحمُهم على معنى إنكارِ كلِّ واحدٍ من الفعلينِ على أنفسهم توبيخاً لها أو على أنَّها منقطعةٌ والمعنى أتخذناهم سخرياً بل أزاغتْ عنهم أبصارُنا كقولك أزيدٌ عندك أم عندَك عمروٌ على معنى توبيخِ أنفسِهم على الاستسخارِ ثمَّ الإضرابُ والانتقالُ منه إلى التَّوبيخِ على الازدراءِ والتَّحقيرِ. وقُرىء اتَّخذناهم بغير همزةٍ على أنَّه صفةٌ أخرى لرجالاً فقوله تعالى أمْ زاغتْ متَّصلٌ بقوله ما لنا لا نَرى والمعنى ما لنا لا نراهُم في النار أليسوا فيها فكذلك لا نراهم أم زاغتْ عنهم أبصارُنا وهم فيها وقد جُوِّز أنْ تكونَ الهمزةُ مقدَّرةٌ على هذه القراءةِ وقُرىء سُخريا بضمِّ السَّينِ.
﴿ إِنَّ ذلك ﴾ أي الذي حُكي من أحوالِهم ﴿ لَحَقُّ ﴾ لا بدَّ من وقوعةِ البتةَ. وقوله تعالى ﴿ تَخَاصُمُ أَهْلِ النار ﴾ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، والجملةُ بيانٌ لذلك وفي الإبهامِ أوَّلاً والتَّبيينِ ثانياً مزيدُ تقريرٍ له. وقيل : بدلٌ من محلِّ ذلك. وقيل بدلٌ من حقٌّ أو عطفُ بيانٍ له. وقُرىء بالنَّصبِ على أنَّه بدلٌ من ذلكَ وما قيل : من أنَّه صفةٌ له فقد قيل عليه : إنَّ اسمَ الإشارةِ لا يُوصف إلا بالمعرَّفِ باللامِ يقال بهذا الرَّجلَ ولا يقال بهذا غلامِ الرَّجلِ. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٧ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon