فأنا لا أسألكم على هذه الدعوة أجراً ومالاً، ومن الظاهر أن الكذاب لا ينقطع طمعه عن طلب المال ألبتة، وكان من الظاهر أنه ﷺ كان بعيداً عن الدنيا عديم الرغبة فيها، وأما كيفية الدعوة فقال : وما أنا من المتكلفين، والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً، والذي يغلب على الظن أن المراد أن هذا الذي أدعوكم إليه دين ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات الكثيرة، بل هو دين يشهد صريح العقل بصحته، فإني أدعوكم إلى الإقرار بوجود الله أولاً : ثم أدعوكم ثانياً : إلى تنزيهه وتقديسه عن كل ما لا يليق به، يقوي ذلك قوله :﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء﴾ وأمثاله، ثم أدعوكم ثالثاً : إلى الإقرار بكونه موصوفاً بكمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة، ثم أدعوكم رابعاً : إلى الإقرار بكونه منزهاً عن الشركاء والأضداد، ثم أدعوكم خامساً : إلى الإمتناع عن عبادة هذه الأوثان، التي هي جمادات خسيسة ولا منفعة في عبادتها ولا مضرة في الإعراض عنها، ثم أدعوكم سابعاً : إلى الإقرار بالبعث والقيامة :﴿لِيَجْزِىَ الذين أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى الذين أَحْسَنُواْ بالحسنى﴾ [ النجم : ٣١ ] ثم أدعوكم ثامناً : إلى الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة، فهذه الأصول الثمانية، هي الأصول القوية المعتبرة في دين الله تعالى، ودين محمد ﷺ وبدائه العقول، وأوائل الأفكار شاهدة بصحة هذه الأصول الثمانية، فثبت أني لست من المتكلفين في الشريعة التي أدعو الخلق إليها.


الصفحة التالية
Icon