واعلم أنه سبحانه لما بدأ في أول السورة بأن محمداً يدعو إلى التوحيد وأن الكفار يستهزؤن منه وينسبونه إلى السخرية تارة وإلى الكذب أخرى. ثم ذكر طرفاً من قصص الأنبياء عليهم السلام ليعلم أن الدنيا دار تكليف وبلاء لا دار إقامة وبقاء. ثم عقبه بشرح نعيم الأبرار وعقاب الأشرار، عاد إلى تقرير المطالب المذكورة في أوّل السورة وهي صحة نبوّة محمد ﷺ وصدق ما يدعو إليه من التوحيد والإخلاص فقال ﴿ قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد ﴾ من جميع الوجوه ﴿ القهار ﴾ لما دونه ثم أردف القهر باللطف والتربية قائلاً ﴿ رب السموات والأرض وما بينهما ﴾ ثم أكد صفتي القهر واللطف بقوله ﴿ العزيز الغفار ﴾ فمن عزته أدخل أهل الاستكبار النار ولمغفرته أعدّ الجنة لأهل الاستغفار. قوله ﴿ قل هو نبأ عظيم ﴾ أي القول بأن الله واحد نبأ عظيم أو القول بالنبوّة أو بإثبات الحشر والقيامة، وذلك لأن هذه المطالب كانت مذكورة في أوّل السورة ولأجلها سيق الكلام منجراً إلى ههنا. ويحتمل أن يراد ﴿ كتاب أنزلناه ﴾ فيه نبأ عظيم وهؤلاء الأقوام أعرضوا عن كل من هذه الأمور. ثم بين أنه حاصل من قبل الوحي بقوله ﴿ ما كان لي من علم بالملأ الأعلى ﴾ وهم الملائكة ﴿ إذ يختصمون ﴾ أي يتقاولون فيما بينهم بالوحي. والظرف متعلق بمحذوف أي بكلامهم وقت اختصامهم، شبه التقاول بالتخاصم من حيث إن في كل منهما سؤالاً وجواباً والمشابهة علة لجواز المجاز. ثم صرح بما عليه مدار الوحي قائلاً ﴿ إن يوحى إليّ إلا أنما أنا نذير مبين ﴾ أي ما يوحى إليّ إلا هذا وهو إني نذير كامل في باب التبليغ، ويؤيده قراءة كسر ﴿ إنما ﴾. وقيل : إن الجار محذوف أي لم يوح إليّ إلا لأن أنذر ولا أقصر. روى ابن عباس عن النبي ﷺ " أتاني الليل آت من ربي وفي رواية ربي في أحسن صورة فقال لي : يا محمد. قلت : لبيك ربي وسعديك. قال : هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت :


الصفحة التالية
Icon