ومعنى الهمزة التقرير. قوله ﴿ فالحق ﴾ من قرأ بالرفع فعلى أنه خبر لما مر أو مبتدأ محذوف الخبر مثل ﴿ لعمرك ﴾ [ الحجر : ٧٢ ] أي فالحق قسمي لأملأن والحق أقوله وهو اعتراض. ومن نصبهما فعلى أن اثاني تأكيد للأوّل، أو على أن الأوّل للإغراء أي اتبعوا الحق وهو الله سبحانه، أو الحق الذي هو نقيض الباطل. وقوله ﴿ منك ﴾ أي من جنسك وهم الشياطين ﴿ وممن تبعك منهم ﴾ أي من ذرّية آدم. و ﴿ أجمعين ﴾ تأكيد للتابعين والمتبوعين. ثم ختم السورة بما يدل على الاحتياط والاجتهاد في طلب هذا الدين لأن النظر إما إلى الداعي أو إلى المدعو إليه. أما الداعي فلا يسأل أجراً على ما يدعو إليه وهو القرآن أو الوحي أو النبأ، ومن الظاهر أن الكذاب لا ينقطع طمعه عن طلب المال ألبتة. وأما المدعو إليه فقوله ﴿ وما أنا من المتكلفين ﴾ الذين ينتحلون ما ليس عندهم ولا دليل لهم على وجوده، بل العقل الصريح يشهد بصحته فإني أدعوكم إلى الإقرار بالله أوّلاً ثم إلى تنزيهه عما لا يليق به ثانياً، ثم إلى وصفه بنعوت الجمال والجلال ثالثاً ومن جملة ذلك التوحيد ونفي الأنداد والأضداد، ثم أدعو إلى تعظيم الأرواح الطاهرة وهم الملائكة والأنبياء رابعاً، ثم إلى الشفقة على خلق الله خامساً، ثم أدعو إلى الإقرار بالبعث والقيامة سادساً ﴿ ليجزي الذين أسؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ﴾ [ النجم : ٣١ ] فهذه أصول معتبرة في دين الإسلام يشهد بحسنها بداية العقول ويحكم ببعدها عن الباطل كل من يرجع إلى محصول وهو المراد بقوله ﴿ إن هو إلا ذكر للعالمين ﴾ عن النبي ﷺ " للمتكلف ثلاث علامات : ينازع من فوقه ويتعاطى ما لا ينال ويقول مالا يعلم " ﴿ ولتعلمن نبأه بعد حين ﴾ أي خبر حقيقة القرآن وما أدعو إليه بعد حين هو الموت لأن الناس نيام فإِذا ماتوا انتبهوا. وقيل : هو القيامة. وقيل : هو حين ظهور الإسلام ولا يخفى ما فيه من التهديد. أ هـ ﴿غرائب القرآن حـ ٥ صـ ٦٠١ ـ ٦٠٩﴾