وذهب ابن كثير إلى أنه عنى به ما كان في شأن آدم عليه السلام، وامتناع إبليس من السجود له، ومحاجته ربه في تفضيله عليه. وإن قوله تعالى بعد :﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ ﴾ [ البقرة : ٣٠ ]، تفسير له. ولم أره مأثوراً عن أحد. بل المأثور عن ابن عباس، وغيره ما تقدم، من أنه في شأن آدم والملائكة، وهذا كله على إثبات علم التخاصم بالوحي، بتقدير : ما كان لي من علم لولا الوحي. ولا تنس القول الآخر، والنظم الكريم يصدق على الكل بلا تناف. والله أعلم.
وقد جاء ذكر تخاصم الملأ الأعلى في حديث الإمام أحمد عن معاذ رضي الله عنه قال : احتبس علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات غداة عن صلاة الصبح، حتى كدنا أن نتراءى قرن الشمس. فخرج صلّى الله عليه وسلم سريعاً، فثوب بالصلاة، فصلى، وتجوز في صلاته. فلما سلم قال صلّى الله عليه وسلم :< كما أنتم >. ثم أقبل إلينا فقال :< إني قمت من الليل فصليت ما قدّر لي، فنعست في صلاتي حتى استيقظت، فإذا أنا بربي عز وجل في أحسن صورة. فقال : يا محمد ! أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : لا أدري، يا رب ! أعادها ثلاثاً. فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري. فتجلى لي كل شيء وعرفت. فقال : يا محمد ! فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : في الكفارات. قال : وما الكفارات ؟ قلت : نقل الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء عند الكريهات. قال : وما الدرجات ؟ قلت : إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة والناس نيام. قال : سل. قلت : اللهم ! إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة بقوم، فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك >. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم :< إنها حق فادرسوها وتعلموها >.


الصفحة التالية
Icon