يبدأ المشهد بمنظرين متقابلين تمام التقابل في المجموع وفي الأجزاء، وفي السمات والهيئات : منظر ﴿ المتقين ﴾ لهم ﴿ حسن مآب ﴾. ومنظر ﴿ الطاغين ﴾ لهم ﴿ شر مآب ﴾. فأما الأولون فلهم جنات عدن مفتحة لهم الأبواب. ولهم فيها راحة الاتكاء، ومتعة الطعام والشراب. ولهم كذلك متعة الحوريات الشواب. وهن مع شبابهن ﴿ قاصرات الطرف ﴾ لا يتطلعن ولا يمددن بأبصارهن. وكلهن شواب أتراب. وهو متاع دائم ورزق من عند الله ﴿ ما له من نفاد ﴾.
وأما الآخرون فلهم مهاد. ولكن لا راحة فيه. إنه جهنم ﴿ فبئس المهاد ﴾ ! ولهم فيه شراب ساخن وطعام مقيئ. إنه ما يغسق ويسيل من أهل النار! أو لهم صنوف أخرى من جنس هذا العذاب. يعبر عنها بأنها ﴿ أزواج ﴾ !
ثم يتم المشهد بمنظر ثالث حي شاخص بما فيه من حوار : فها هي ذي جماعة من أولئك الطاغين من أهل جهنم. كانت في الدنيا متوادة متحابة. فهي اليوم متناكرة متنابذة كان بعضهم يملي لبعض في الضلال. وكان بعضهم يتعالى على المؤمنين، ويهزأ من دعوتهم ودعواهم في النعيم. كما يصنع الملأ من قريش وهم يقولون :
﴿ أأنزل عليه الذكر من بيننا؟ ﴾..
ها هم أولاء يقتحمون النار فوجاً بعد فوج وها هم أولاء يقول بعضهم لبعض :﴿ هذا فوج مقتحم معكم ﴾.. فماذا يكون الجواب؟ يكون الجواب في إندفاع وحنق :﴿ لا مرحباً بهم إنهم صالوا النار ﴾ ! فهل يسكت المشتومون؟ كلا! إنهم يردون :﴿ قالوا : بل أنتم لا مرحباً بكم. أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار! ﴾.. فلقد كنتم أنتم السبب في هذا العذاب. وإذا دعوة فيها الحنق والضيق والانتقام :﴿ قالوا : ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ضعفاً في النار ﴾ !