كان إذا قام الليل افتتح صلاته قال : اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
قال تعالى "وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً" من منقول وغيره "وَمِثْلَهُ مَعَهُ" وطلب منهم به فداء أنفسهم من عذاب اللّه "لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ" وهذا من ضرب المحال حيث لا يقبل الفداء، ويستحيل أن يكون لهم شيء من الأرض باستحالة وجود مثله لأن أحدا يوم القيامة لا يملك مثقال ذرة وإنما هذا من قبيل زيادة التحسر والتأسف والندم والأسى لما يشاهدونه من الأهوال المحيطة بهم المشار إليها بقوله الفصل "وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ" العالم بخفايا الأمور أشياء "ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ٤٧" بها ولا يظنونها ولا تخطر ببالهم أنه نازل بهم ولا يتوقعونه لأنه فوق التخمين والحسبان وحديث النفس.
ونظير هذه الآية التي أوعد بها الكافرون ما وعد اللّه به المؤمنين هي قوله تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ
لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)
الآية ١٧ من سورة السجدة الآتية، ومن هذا القبيل قوله صلّى اللّه عليه وسلم في صفة ثواب أهل الجنة : فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
هذا وبعد أن أظهر اللّه لهم أنواع العقاب عن سيئات لم يكونوا يتصورونها أنها مستحقة للعذاب أظهر لهم عقابا أشد عن سيئات يعلمونها فقال جل قوله "وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا" من الشرك به وتكذيب رسله وجحد ما جاؤهم به وبان لهم خيبة ظنهم بشفاعة الأوثان فذهلوا من فظاعته "وَحاقَ" أحاط "بِهِمْ" من كل جوانبهم سوء "ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ٤٨" في الدنيا فيفعلونه ولا يلقون له بالا إلا السخرية والاستهزاء.


الصفحة التالية
Icon