وعن أنس رضي اللّه عنه قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : قال اللّه تعالى عز وجل يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
- أخرجه الترمذي - والعنان بفتح العين ما بدا لك من السماء، واعنانها نواصيها، والقراب بضم القاف الملء أي بملء الأرض، واللّه أكرم وأكبر من ذلك، وقدمنا ما يخص هذا في الآية ١٦٠ من سورة الأنعام المارة وله صلة في الآية ٣١ من سورة الشورى الآتية فراجعها ففيها ما يثلج الصدر من عظيم فضل اللّه وكذلك الآية ٢٠ من سورة يوسف المارة أيضا والآية ٧٠ من سورة الفرقان والآية ٥ من سورة والضحى والآية ٨٤ من سورة الإسراء في ج ١ "وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ" إسلاما كاملا وانقادوا لأوامره انقيادا تاما وتباعدوا عن نواهيه تباعدا بعيدا وأخلصوا له التوبة إخلاصا صحيحا حال كونكم خاضعين خاشعين "مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ٥٤" إذا حل بكم ومن ذا الذي ينصركم من اللّه أيها الناس كلا لا أحد، انتهت الآيات المدنيات.
واعلم أن الآية الثانية منها عدا ٥٣ صرحت برجاء الرحمة من عشرة وجوه : ١ إن المذنب عبد والعبد محتاج لرحمة سيده وإفاضة إنعامه عليه، ٢ إنه أضافه إليه ومن يضفه لذاته الكريمة يؤمنه من عذابه، ٣ إن الإسراف الذي نسبه إليه ضرر وهو أكرم من أن يجمع ضررين على عبد، ٤ إنه لم ينهه عن القنوط إلا ليؤمله بالرجاء، ٥ أضاف الرحمة لأعظم أسمائه الحسنى