ولا يخفى أن الأحسن يكون في الأوامر والإرشادات إلى خير الدارين والأحكام والحدود وإصلاح ذات البين لا في القصص والأخبار والعبر والأمثال بما وقع من الأقدمين، هذا من جهة، ومن أخرى فإن أحسن ما أنزل اللّه من الكتب السماوية وأجمعها وأفضلها هو هذا القرآن المجيد لقوله تعالى (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) الآية ٢٤ المارة، وعليه فيكون المنزل ثلاثة أصناف : ذكر جل شأنه في القرآن الأحسن يؤثر على غيره ويؤخذ به، والأدون منه لئلا يرغب فيه، والقبيح ليجتنب، ولهذا يجب على الخلق كافة اتباع ما في القرآن من الأحكام الحسن منها والأحسن، لأنه ناسخ لما تقدمه مما يخالفه منها، وعليه فإن الخطاب في هذه الآية عام لكل الأمة، لأنه أنزل للأمة أجمع، وقد أمر صلّى اللّه عليه وسلم بدعوة من على وجه الأرض كلهم، فمن أجاب فهو من أمة الإجابة، ومن أبي فهو من أمة الدعوة، فهلموا عباد اللّه لإجابة دعوة ربكم "مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ٥٥" بأن يفاجئكم على حين غرة وأنتم غافلون فتعتذرون ولا يقبل منكم، قال صلّى اللّه عليه وسلم :
إياكم وما يعتذر منه، وهو "أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ" حين ترى أهوال القيامة
وفظايع العذاب "يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ" أي حق اللّه وأمره وطاعته، وهذا مما يطلق عليه الجنب، قال القائل :
أما تتقين اللّه في جنب وامق له كبد حرى عليك تقطع