قال تعالى حكاية عن هذه النفس المفرطة "وَإِنْ كُنْتُ" في الدنيا "لَمِنَ السَّاخِرِينَ ٥٦" بمن يحذرني هول هذا اليوم وينصحني عن التفريط في ضياع عمري سدى، وهذه الجملة ترددها كل نفس فرطت في دنياها ندما وحزنا وغما على ما فاتها من عمل صالح وقول مرشد وقبول إرشاد "أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي" للتقوى وقبول نصح الناصحين "لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ٥٧" الشرك ودواعيه في الدنيا ولم يحل بي العذاب الآن في الآخرة "أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ" عند طرحها فيه بشدة وعنف وتذوق ألمه "لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً" عودة إلى الدنيا "فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ٥٨" فيها إلى نفسي وإلى الناس أجمع باتباع أوامر ربي وطاعة رسله وهكذا يتمنى هذه الأماني وغيرها، ولكن في غير وقتها والتمني رأسمال المفلس، لهذا فإن اللّه تعالى يرد تمنياته ولا يقبل أعذاره ويخاطبه أن الأمر ليس كذلك "بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي" في الدنيا وأرسلت إليك رسلي فطلبوا منك الانقياد لأوامري وسلوك سبل هدايتي وبلغوك كتي فأبت نفسك الخبيثة إلا عصياني وأعرضت "فَكَذَّبْتَ بِها" وبمن جاءك بها "وَاسْتَكْبَرْتَ" وأنفت عنها وتعاليت عليها واستهزأت بها عدا التكذيب والجحود "وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ ٥٩" بها وبمن جاءك بها والآن جئت تتمنى الاماني الفارغة بقبول اعتذارك وجوابها أن يقال لك اخسأ ولا تتكلم، راجع الآية ١٠٨ من سورة المؤمنين الآتية ففيها بحث نفيس "وَيَوْمَ الْقِيامَةِ" يا سيد الرسل "تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ"