ومن هنا فليعلم أهل الدنيا الفرق بين تلك الحالتين، وعند ما يقبل أهل الجنة تحييهم الملائكة عن يمين الأبواب وشمالها احتراما لهم بدلالة قوله تعالى "وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ" مقاما ونفسا "فَادْخُلُوها خالِدِينَ ٧٣" فيها أبدا فيدخل كل منهم الباب المهيء له فيها منزله بحسب عمله، اللهم اجعلنا منهم بكرمك "وَقالُوا" بعد أن رأوا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في الدنيا "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ" الذي وعدنا به أنبياؤه في الدنيا "وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ" ملكنا أرض الجنة بدلا من أرض الدنيا والمراد بالأرض التي استقروا عليها بعد دخولهم الجنة تشبيها بأرض الدنيا من حيث الاسم وإلا لا مشابهة ولا مقايسة، وجعلنا "نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ" من قصورها ومضاربها ومنتزهاتها التي منحنا اللّه إياها مما تشتهيه أنفسنا وتلذ أعيننا "فَنِعْمَ" الأجر "أَجْرُ الْعامِلِينَ ٧٤" خيرا الفاعلين حسنا في الدنيا، الجنة ونعيمها :
نعمت جزاء المؤمنين الجنة دار الأماني والمنى والمنة
"وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ" عليهم محيطين بهم ومحدقين صفوفا "مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ" إلى حيث يشاء اللّه تعالى إذ ذكر لنا ابتداء الغاية وسكت عن المغيا فلا يعلمها غيره لأن عرش الرحمن يكون في عرصات في الأرض، قال تعالى (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) الآية ١٨ من سورة الحاقة الآتية، وذلك بعد أن تبدل الأرض غير الأرض والسموات، راجع الآية ٤٨ من سورة إبراهيم الآتية، لأن أرضنا هذه لا تحويه وهي بالنسبة له كحلقة ملقاة في فلاة، وقال تعالى :