وهناك ظاهرة ملحوظة في جو السورة.. إن ظل الآخرة يجللها من أولها إلى آخرها. وسياقها يطوّف بالقلب البشري هناك في كل شوط من أشواطها القصيرة ; ويعيش به في ظلال العالم الآخر معظم الوقت ! وهذا هو مجال العرض الأول فيها والمؤثر البارز المتكرر في ثناياها. ومن ثم تتلاحق فيها مشاهد القيامة أو الإشارة إليها في كل مقطع من مقاطعها الكثيرة. مثل هذه الإشارات: (أم من هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ؟)..(قل: إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)..(أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار ؟).. (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة ؟).. (ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون).. (أليس في جهنم مثوى للكافرين ؟).. (ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة ; وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون).. (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغته وأنتم لا تشعرون. أن تقول نفس: يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين..).. وهذا غير المشاهد الكاملة التي تشغل حيزاً من السورة كبيراً، وتظلل جوها بظلال الآخرة.
أما المشاهد الكونية التي لاحظنا كثرتها وتنوعها في السور المكية في ثنايا عرضها لحقائق العقيدة فهي قليلة في هذه السورة..
هنالك مشهد كوني يرد في مطلعها:(خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل، وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى. ألا هو العزيز الغفار)..


الصفحة التالية
Icon