ولما كان من الأمر الواضح أن الدين لا يكون صالحاً إلا أن انتظم بنظام غير مختل، وكان الدين إذا كان معوجاً داعياً إلى التفرق منادياً على نفسه بالانخلاع عنه والبعد منه فكان الحال مقتضياً للتعجب ممن تدين به، فضلاً عمن يدوم عليه، فضلاً عمن لا ينتبه عند التنبيه، فضلاً عمن يقاتل دون ذلك، أجاب من كأنه قال : سبب عكوفهم على هذا الضلال الذي أوجب لهم قطعاً الاختلاف بالفعل أو بالقوة، فقال مؤكداً تكذيباً لمن ينكر ما تضمنه هذا الإخبار وإن ظهر لبعض العمى غير ذلك مما يبدو من الكذبة والكفرة من أعمال مزينة وأفكار دقيقة فتظن هدى وإنما هي استدراج.
ولما أرشد السياق إلى أن المعنى : لأنهم غير مهتدين لأن الله لم يخلق الهداية في قلوبهم، نسق به قوله :﴿إن الله﴾ أي الملك القادر القاهر الحكيم.
ولما كان الأصل : لا يهديهم وأراد سبحانه التعميم وتعليق الحكم بالوصف تنفيراً عنه قال :﴿لا يهدي﴾ أي لا يخلق الهداية في قلب ﴿من هو﴾ أي لضميره ﴿كاذب﴾ أي مرتكب الكذب عريق فيه حتى أداه كذبه إلى أن يقول على ملك الملوك أن شيئاً يقرب إليه بغير إذنه، ويخضع بالعبادة التي هي نهاية التعظيم، فهي لا تليق بغير من ينعم غاية الإنعام لمن لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولم يعبر في الكذب بصيغة مبالغة لأن الذين السياق لهم لم يقع منهم كذب إلا في ادعائهم أنهم يقربونهم.