ولما أثبت هذه الصفات التي نفت أن يكون له شريك أو ولد، وأثبتت له الكمال المطلق، دل عليها بقوله :﴿خلق السماوات والأرض﴾ أي أبدعهما من العدم ﴿بالحق﴾ أي خلقاً متلبساً بالأمر الثابت الذي ليس بخيال ولا سحر، على وجه لا نقص فيه بوجه، ولا تفاوت ولا خلل يقول أحد فيه أنه مناف للحكمة ولما كان من أدل الأشياء على صفتي الوحدانية والقهر، وتمام القدرة وكمال الأمر، بعد إيجاد الخافقين اختلاف الملوين، وكان التكوير - وهو إدارة الشيء على الشيء بسرعة وإحاطته به بحيث يعلو عليه ويغلبه ويغطيه - أدل على صفة القهر من الإيلاج، قال مبيناً لوقت إيجاد الملوين :﴿يكور﴾ أي خلقهما أي صورهما في حال كونه يلف ويلوي ويدير فيغطي مع السرعة والعلو والغلة تكويراً كثيراً متجدداً مستمراً إلى أجله ﴿الّيل على النهار﴾ بأن يستره به فلا يدع له أثراً، ولعظمة هذا الصنع أعاد العامل فقال :﴿ويكور النهار﴾ عالياً تكويره وتغطيته ﴿على الّيل﴾ فيذهبه كذلك ويدخل في هذا الزيادة في كل منهما بما ينقص من الآخر لأنه إذا ذهب أحدهما وأتى الآخر مكانه، فكأن الآتي لف على الذاهب وألبسه كما يلف اللباس على اللابس، أو أنه شبه الذاهب في خفائه بالآتي بشيء ظاهر لف عليه ما غيبه عن مطامع الأبصار، أو أن كلاًّ منهما لما كان يكر على الآخر كروراً متتابعاً شبه ذلك بتتابع أكوار بعضها على بعض، فتغيب ما تحتها.
ولما كانت الظلمة سابقة على الضياء، وكان الليل إنما هو ظلمة يسبقها ضياء بطلوع الشمس، رتب سبحانه هذا الترتيب على حسب الإيجاد، ولذلك قدم آية النهار فقال معبراً بالماضي بخلقه الآيتين مسخرتين على منهاج معلوم لكل منها لا يتعداه، وحد محدود لا يتخطاه ﴿وسخر﴾ أي ذلل وأكره وقهر وكلف لما يريد من غير نفع للمسخر ﴿الشمس﴾ أي التي محت ما كان من الظلام فأوجبت اسم النهار ﴿والقمر﴾ أي آية الليل.