إن الغنى طويل الذيل مياس.. ثم قال تعالى :﴿نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ﴾ أي نسي ربه الذي كان يتضرع إليه ويبتهل إليه، وما بمعنى من كقوله تعالى :﴿وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى﴾ [ الليل : ٣ ] وقوله تعالى :﴿وَلاَ أَنتُمْ عابدون مَا أَعْبُدُ﴾ [ الكافرون : ٣ ] وقوله تعالى :﴿فانكحوا مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ النساء﴾ [ النساء : ٣ ] وقيل نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه والمراد من قوله نسي أن ترك دعاءه كأنه لم يفزع إلى ربه، ولو أراد به النسيان الحقيقي لما ذمه عليه، ويحتمل أن يكون المراد أنه نسي أن لا يفزع، وأن لا إله سواه فعاد إلى اتخاذ الشركاء مع الله.
ثم قال تعالى :﴿وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَاداً لّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ليضل بفتح الياء والباقون ليضل بضم الياء على معنى ليضل غيره.
المسألة الثانية :
المراد أنه تعالى يعجب العقلاء من مناقضتهم عند هاتين الحالتين، فعند الضر يعتقدون أنه لا مفزع إلى ما سواه وعند النعمة يعودون إلى اتخاذ آلهة معه.
ومعلوم أنه تعالى إذا كان إنما يفزع إليه في حال الضر لأجل أنه هو القادر على الخير والشر، وهذا المعنى باق في حال الراحة والفراغ كان في تقرير حالهم في هذين الوقتين بما يوجب المناقضة وقلة العقل.
المسألة الثالثة :
معنى قوله :﴿لّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ﴾ أنه لا يقتصر في ذلك على أن يضل نفسه بل يدعو غيره إما بفعله أو قوله إلى أن يشاركه في ذلك، فيزداد إثماً على إثمه، واللام في قوله ﴿لِيُضِلَّ﴾ لام العاقبة كقوله :﴿فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ [ القصص : ٨ ] ولما ذكر الله تعالى عنهم هذا الفعل المتناقض هددهم فقال :﴿قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً﴾ وليس المراد منه الأمر بل الزجر، وأن يعرفه قلة تمتعه في الدنيا، ثم يكون مصيره إلى النار.