[ الحديد : ١٢ ] وقال أيضاً :﴿وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفس وَتَلَذُّ الأعين وَأَنتُمْ فِيهَا خالدون﴾ [ الزخرف : ٧١ ] والثالث : أن المبشر من هو ؟ فنقول يحتمل أن يكون هم الملائكة، إما عند الموت فقوله :﴿الذين تتوفاهم الملائكة طَيّبِينَ يَقُولُونَ سلام عَلَيْكُمُ﴾ [ النحل : ٣٢ ] وإما بعد دخول الجنة فقوله :﴿الملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار﴾ [ الرعد : ٢٣، ٢٤ ] ويحتمل أن يكون هو الله سبحانه كما قال :﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سلام﴾ [ الأحزاب : ٤٤ ].
واعلم أن قوله :﴿لَهُمُ البشرى﴾ فيه أنواع من التأكيدات أحدها : أنه يفيد الحصر فقوله :﴿لَهُمُ البشرى﴾ أي لهم لا لغيرهم، وهذا يفيد أنه لا بشارة لأحد إلا إذا اجتنب عبادة غير الله تعالى وأقبل بالكلية على الله تعالى وثانيها : أن الألف واللام في لفظ البشرى مفيد للماهية فيفيد أن هذه الماهية بتمامها لهؤلاء، ولم يبق منها نصيب لغيرهم وثالثها : أن لا فرق بين الإخبار وبين البشارة فالبشارة هو الخبر الأول بحصول الخيرات، إذا عرفت هذا فنقول كل ما سمعوه في الدنيا من أنواع الثواب والخير إذا سمعوه عند الموت أو في القبر فذاك لا يكون إلا إخباراً، فثبت أن هذه البشارة لا تتحقق إلا إذا حصل الإخبار بحصول أنواع أخر من السعادات فوق ما عرفوها وسمعوها في الدنيا نسأل الله تعالى الفوز بها، قال تعالى :﴿فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ﴾ [ السجدة : ١٧ ] ورابعها : أن المخبر بقوله :﴿لَهُمُ البشرى﴾ هو الله تعالى وهو أعظم العظماء وأكمل الموجودات والشرط المعتبر في حصول هذه البشارة شرط عظيم وهو الاجتناب عما سوى الله تعالى والإقبال بالكلية على الله والسلطان العظيم إذا ذكر شرطاً عظيماً.