وإنما قلنا إن الفاعل لهذه الهداية هو الله، وذلك لأن جوهر النفس مع ما فيها من نور العقل قابل للاعتقاد الحق والاعتقاد الباطل، وإذا كان الشيء قابلا للضدين كانت نسبة ذلك القابل إليهما على السوية، ومتى كان الأمر كذلك امتنع كون ذلك القابل سبباً لرجحان أحد الطرفين، ألا ترى أن الجسم لما كان قابلا للحركة والسكون على السوية، امتنع أن تصير ذات الجسم سبباً لرجحان أحد الطرفين على الآخر، فإن قالوا لا نقول إن ذات النفس والعقل يوجب هذا الرجحان، بل نقول إنه يريد تحصيل أحد الطرفين، فتصير تلك الإرادة سبباً لذلك الرجحان، فنقول هذا باطل، لأن ذات النفس كما أنها قابلة لهذه الإرادة، فكذلك ذات العقل قابلة لإرادة مضادة لتلك الإرادة، فيمتنع كون جوهر النفس سبباً لتلك الإرادة، فثبت أن حصول الهداية لا بد لها من فاعل ومن قابل أما الفاعل : فيمتنع أن يكون هو النفس، بل الفاعل هو الله تعالى وأما القابل : فهو جوهر النفس، فلهذا السبب قال :﴿أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب﴾ ثم قال ﴿أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :


الصفحة التالية
Icon